نحو 590 مليون دولار أميركي، هي كلفة معالجة النفايات المنزلية الصلبة، وفق ما نصّت الخطة الحكومية في شهر آذار الماضي. هذه المبالغ ستُنفق على مُعالجة «مؤقتة» لن تتجاوز مدتها الأربع سنوات، إذ لم تلحظ الخطة أي حل بيئي مُستدام. جلّ «إنجازات» الخطة هو تقديمها «مكسباً» للمنتفعين من المُضاربات العقارية عبر إقرارها ردم أكثر من 736 ألف متر مربع من الأملاك البحرية العمومية. في هذا الوقت، لا يزال أهالي مناطق الإقليم وعاليه والشوف، المُستثناة من الخطة، يُعانون منذ أكثر من سنة أزمة تصريف نفاياتهم ويتعرّضون لخطر سمومها. قد يكون خروج «سوكلين» من قطاع إدارة النفايات مُستغرباً لدى كثيرين، لكنّ المتابعين للملف يُدرجون خروج الشركة من القطاع ضمن نهج السلطة في «خلط الأوراق» الذي سيُعيد توزيع ريوع إدارة هذا الملف إلى جهة أخرى ستُحكم قبضتها عليه خلال السنوات الأربع المُقبلة، أو ربما أكثر.
لم تنته أزمة النفايات بالنسبة إلى أهالي الإقليم وعاليه والشوف. لا يزال هؤلاء يُعانون من أزمة خطيرة تتعلّق بكيفية معالجة نفاياتهم التي تتكدّس في الطرقات والتي يجري حرق قسم منها دورياً.
أمّا السبب فهو استثناء هذه المناطق من خطة النفايات الحكومية، التي أُقرّت في شهر آذار الماضي. هذه الخطة نفسها ستُكلّف نحو 590 مليون دولار، ستُنفق خلال 4 سنوات من دون أن تخلص إلى واقع بيئي مُستدام. وفيما كان الرهان على إخراج «سوكلين» من قطاع إدارة النفايات كي تُحفظ الأموال العامة ويتوقف «النهب»، برزت «تركيبة» جديدة أحكمت قبضتها على القطاع. أمّا أولى ملامح «النهب» الجديد فهو ردم نحو 736 ألف متر من الأملاك العمومية البحرية، تمهيداً للاستيلاء عليها كما حصل في وسط بيروت وضبية، وما يحصل حالياً في صيدا وطرابلس.
السطو على البحر المردوم
نحو 736 ألف متر مربع، تُقدّر المساحات التي يجرى ردمها تطبيقاً لمقررات الخطة الحكومية لمعالجة وضع النفايات المنزلية الصلبة، المُتخذة في شهر آذار الماضي. قدّمت الدولة مكسباً كبيراً للمُستفيدين من المُضاربات العقارية ولأصحاب الاستثمارات الذين سيجنون أموالاً طائلة من «بقايا» بحرنا المتآكل، بحجة معالجة النفايات.
تُظهر خرائط مجلس الإنماء والإعمار المتعلّقة بإقامة المطمرين في برج حمّود والجديدة أن الردم سيشمل مساحة 576 ألف متر مربع من البحر، على الشكل التالي:
في برج حمود:
– ردم 65 ألف متر مربع لإقامة محطة تكرير.
– ردم 97 ألفاً و400 متر مخصصة كـ»أراضٍ عامة» توهب إلى بلدية برج حمّود.
– ردم 126 ألفاً و400 متر مخصصة لإقامة المطمر.
في الجديدة:
ردم 122 ألفاً و700 متر مخصصة لإقامة المطمر.
ردم 119 ألفاً و500 متر مخصصة كـ «أراضٍ عامة» توهب إلى بلدية الجديدة.
مصادر مُطلعة: السنيورة هو «المايسترو» الذي أدار المناقصات
ردم 45 ألف متر مربع استكمالاً لمشروع لينور القائم على ردم البحر لإقامة الاوتوستراد البحري.
في خلدة:
تُظهر الخرائط المُتعلّقة بإنشاء المطمر المؤقت عند مصبّ نهر الغدير/ الكوستابرافا، أنه سيتم ردم 160 ألف متر مربع، ستُخصص المساحة كلها لإقامة المطمر، وبحسب وعود الحكومة، بعد الانتهاء من مدة المطمر، سيتم وهب المساحة المردومة إلى بلدية الشويفات.
ما يجب الالتفات إليه هو أن دفتر الشروط الذي وُضع لمناقصتي تلزيم أعمال المطمرين، لم يلحظ خبرة المتعهّد في مجال معالجة النفايات.
ردم البحر ليس الكلفة الوحيدة، وإن كانت «الأغلى». تُقدّر الكلفة الإجمالية المالية لنتائج المناقصات الست التي أقرتها الخطة بنحو 500 مليون دولار، فضلاً عن 90 مليون دولار إضافية أقرتها الحكومة كـ «رشى» للبلديات التي قبلت بـ «احتضان» المطامر.
كيف تتوزع الـ500 مليون دولار على المناقصات؟
1- مناقصة تلزيم أعمال المركز المؤقت للطمر الصحي عند مصب نهر الغدير/ الكوستابرافا: 60 مليون دولار.
2- مناقصة تلزيم أعمال مطمر برج حمود: 109 ملايين دولار.
3- مناقصة المعالجة والفرز: 81 مليون دولار.
4- مناقصة الجمع والنقل والكنس (كسروان والمتن): 86 مليوناً و254 ألفاً و245 دولاراً.
5- مناقصة الجمع والنقل والكنس (بعبدا والشوف وعاليه): 128 مليوناً و763 ألفاً و57 دولاراً.
6- مناقصة الإشراف على مطمر برج حمود (فاز بها الاستشاري رفيق خوري وشركاه بحصوله على 0.4% من قيمة المشروع): 463 ألف دولار.
7- مناقصة الإشراف على مطمر الكوستابرافا (فازت بها المجموعة المندمجة: دار الهندسة والاستشاري نزيه طالب وشركاه وشركة الحلول البيئية المُستدامة بحصولها على 0.75% من قيمة المشروع): 450 ألف دولار.
90 مليون دولار إضافية
إضافة إلى الـ500 مليون دولار، ستدفع الحكومة 40 مليون دولار كحوافز تُعطى لبلديات برج حمود/ الجديدة- البوشرية- السد/ الشويفات/ برج البراجنة/ المنطقة الخدماتية الثانية (الشوف وعاليه).
كذلك خصّصت الدولة مبلغ 50 مليون دولار لـ «تغطية مشاريع إنمائية في البلدات المُحيطة بكل مطمر من المطامر الثلاثة وموزعة على أربع سنوات على أن يُعد مشروع قانون برنامج لتمويل هذه المشاريع».
إسقاط مناقصات الـ2015 بقرار سياسي
يقول مصدر مُطلّع في مجلس الإنماء والإعمار أن «الصيغة القديمة» للمناقصات التي تم إعدادها صيف 2015، كانت أفضل من صيغة المناقصات الأخيرة، وكانت أكثر وفراً على الدولة، على الأقل كانت جنّبتها خسارة مساحات كبيرة من بحرها المردوم». فلماذا أُسقطت هذه المناقصات؟
يقول المصدر نفسه إن هذه المناقصات أُسقطت بقرار سياسي، «علماً أن الأسعار التي جاءت بها تلك المناقصات كانت أفضل بكثير، إضافة إلى أنها كانت ستُجنّب الدولة اللجوء إلى خيار طمر البحر والى استثناء مناطق دون أُخرى».
بالعودة إلى تلك المناقصات، فقد تم حينها تقسيم المناطق إلى 6 مناطق خدماتية: 1- بيروت الإدارية وضواحيها، 2- أقضية كسروان والمتن، 3- أقضية عاليه والشوف وبعبدا، 4- محافظتا لبنان الشمالي وعكّار، 5- محافظتا لبنان الجنوبي والنبطية، 6- محافظتا البقاع وبعلبك الهرمل.
نحو 90 مليون دولار بلغت رشى البلديات
وبحسب دفتر الشروط لهذه المناقصات، كان إيجاد الآلية المتكاملة للكنس والجمع والمعالجة تقع ضمن مسؤولية المتعهّد. أمّا السعر الذي قّدمته الشركات التي فازت في تلك المناقصات فكان يتراوح بين 150$ و200$ للطن الواحد. التكاليف المُترتبة على هذه الأسعار، تُعدّ، وفق مصادر في المجلس، أقلّ من التكاليف التي نصّت عليها المناقصات الجديدة المُقدّرة بنحو 500 مليون دولار.
إلا أن أسعار المناقصات الحالية، تبقى، على «ضخامتها»، أقل من أسعار شركة «سوكلين»، وفق ما تُظهره مُقارنة تسعير معالجة وكنس وجمع الطن الواحد للنفايات.
الارتكاز على مُقارنة تسعير الطن الواحد، يعود إلى أن صيغة العقود التي كانت موقّعة مع «سوكلين وشقيقاتها» شائكة نوعاً ما (ترتبط بوضع شطور على الكميات وغيرها)، وبالتالي جرى اعتماد مقارنة على أساس تسعير الطن الواحد.
المقارنة مع أسعار «سوكلين»
بالنسبة إلى تكاليف الفرز والمعالجة، أظهرت المناقصة الجديدة التي فازت بها شركة «الجهاد للتجارة والمقاولات» فارقاً كبيراً في الأسعار (الضعف تقريباً). وبحسب الأرقام التي تعترف بها شركة «سوكلين»، فإن المعدلّ الوسطي لكلفة معالجة طن النفايات لدى سوكومي هو 46,68 دولار فيما قدّمت شركة الجهاد سعراً يُقدّر بمعالجة الطن الواحد بـ24 دولاراً.
وللتذكير، فإن «سوكلين» كانت تتقاضى تكاليف لمعالجة النفايات، فيما كانت تلجأ إلى طمر 80% من النفايات، وكانت تتقاضى في الوقت نفسه تكاليف لقاء الطمر، ما يعني أنها كانت تتقاضى أموالاً لقاء أعمال لم تُنجز، وهذه النقطة تُشكّل حالياً محور القضية المرفوعة ضدها من قبل النائب العام المالي.
أمّا بالنسبة إلى أعمال الجمع والكنس، فالجدير ذكره أن هذه المناقصة لم تشمل نفايات العاصمة، بعدما طلب المجلس البلدي لبلدية بيروت الاستقلال في إدارة النفايات من ناحية الكنس والجمع فقط. وقد تم تقسيم هذه المناقصة إلى مناقصتين: واحدة تتعلّق بجمع ونقل وكنس نفايات قضاءي المتن وكسروان التي فازت بها شركة «رامكو» اللبنانية مع شركة «التاس يابي سان» التركية بسعر بلغ 27.9 دولار للطن. وأخرى تتعلق بجمع ونقل وكنس نفايات بعبدا والشوف وعاليه التي فازت بها شركة «معوّض ـ إده» اللبنانية مع شركة «سوريكو» البلغارية بسعر بلغ 26.9 دولار للطن الواحد. وبحسب المكتب الإعلامي لشركة «سوكلين»، فإن الأخيرة كانت تتقاضى متوسط سعر يبلغ 32 دولاراً لكنس ونقل الطن الواحد من النفايات.
تجدر الإشارة إلى أن عقد المُعالجة والفرز الموقّع مع «سوكومي» ينتهي في 31/12/2016، أما عقد الجمع والكنس ينتهي في شهر آذار المُقبل.
من سيرث «سوكلين»؟
قد يكون خروج «سوكلين» مُستغرباً لدى الكثيرين، لكن المُتابعين للملف يُدرجون هذا الخروج ضمن أسلوب «خلط الأوراق» الذي سيُعيد مسألة توزيع ريوع إدارة هذا الملف إلى جهة أخرى ستُحكم قبضتها عليه خلال السنوات الأربع المُقبلة. تقول بعض المصادر الواسعة الاطلاع أن الرئيس فؤاد السنيورة هو «المايسترو» الذي أدار مسألة المناقصات مع حفظ حصص «الكبار» منها. والمقصود هنا رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. بحسب المصادر، حاول وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن يلعب دوراً في مسألة المُناقصات، لكنه أُقصي فيما بعد وتسلّم الوزير أكرم شهّيب المسألة.
أكثر من 260 ألف متر من المساحات المردومة ستوهب إلى بلديتي برج حمود والجديدة
تُشير الوقائع والمُعطيات إلى أن «الحصّة الأسد» كانت من نصيب شركة «الجهاد للتجارة والمُقاولات» التي فازت في مناقصة تلزيم مطمر الكوستابرافا مرتين. إذ جرت إعادة هذه المناقصة بعد فارق الأسعار الذي أظهرته مع شركة داني خوري في مناقصة برج حمّود، وتقدّمت إليها الشركة مرة ثانية، وفازت بسعر أقل بـ12 مليون دولار (راجع مقال العرب يفوز بمناقصة الكوستابرافا مجدّداً.. أقل بـ12 مليون دولار). كما فازت الشركة في المناقصة الأهم، وهي مناقصة المعالجة والفرز عبر ائتلافها مع شركة soriko البلغارية. وكان لافتاً فوز الأخيرة، شريكة الشركة أيضاً، في مناقصة جمع وكنس ونقل نفايات أقضية بعيدا والشوف وعاليه عبر ائتلافها مع شركة «معوّض- ادّه».
اللافت في المناقصات كان ما أظهرته نتائج العروض المالية من حسم على الأسعار كان يُرفق مع السعر الأساسي الذي كان مُتقارباً مع أسعار الشركات المتقدّمة الأخرى، وهو ما حصل تقريباً في جميع المُناقصات. المصادر نفسها تقول إن المناقصات كانت «مُسبقة النتائج والتوقعات».