Site icon IMLebanon

من ورثك الجولان يا رئيس الولايات المتحدة؟

 

بدون مقدمات، واختصارا لأحداث جسام يمر بها العالم العربي وتطاوله في صلب وجوده واستقراره وتضع مسيرته السياسية والاقتصادية والمعيشية كلها في الحريق الهائل المشتعل من بلد إلى بلد بأشكال مختلفة تنبئ بأيام قائمة وموجعة تجتاح منطقة من العالم، هي الأغنى بثرواتها الطبيعية، وبازدهارها الذي كان لها في أيام عزّ وليّ أغلبها وما تُرك لها إلا القليل، لم تكفنا كل تلك السلبيات التي انهمرت علينا كزخ المطر، سواء في سوريا أم في العراق أم في اليمن أم في ليبيا، يضاف إليها سلسلة المستجدات والانتفاضات الشعبية القائمة والمستمرة في كل من الجزائر والسودان، لم تكفنا صفعة القرن التي يهيئ لها ترامب واليمين الأميركي المتطرف، بالمشاركة الفجة والوقحة مع نتانياهو الملاحق في بلاده بشتى تهم الفساد، تماما كشريكه ترامب الذي لا ينجو من اتهام حتى يقع في ما هو أدهى منه، ويتآلف الشريكان في مصالح انتخابية ملحّة لكل منهما، ولا يألو الرئيس الأميركي وصهره اليهودي الصهيوني المتطرف، عن تلبية المطالب الصهيونية الأكثر حدّة والأشد تطرفا، بدءا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، مرورا بما سلف أن بشَّرنا به ترامب لجهة عزمه على إطلاق هديته للعالم العربي والإسلامي من خلال مشاريعه المتلاحقة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على هواه وعلى ذوقه وعلى انحيازه المطلق للصهيونية بأعتى وأظلم مواقعها ومطالبها، كل ما ذكر يهون أمام جنوح ترامب الجنوني إلى توزيع أراض تعود إلى دول أخرى ذات سيادة واستقلال بما يذكرنا بتصرفات الاستعمار بصيغته القديمة الذي ما كان له إلاّ اعتماد القوة الفارضة ليحقق غاياته الاستعمارية. ها هو ترامب بمشيئته المنفردة وبقراره العشوائي يمنح الجولان هدية صرفة للكيان الإسرائيلي كأنها «مال أبوه»! وإرث له عن أجداده، هكذا وبشحطة قلم طائشة وعشوائية يُملّك الجولان بمنطق القوة والفرض، ودون أن يرفّ له جفن أو يهتز لديه ضمير، إلى بلد آخر على عداء مستفحل مع المالك الأساسي الدولة السورية ومع الأمة العربية جمعاء وسط تهليل الإسرائيلي وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، فارضا على الجميع رضوخا وخضوعا بمن فيهم سكان الجولان الأصليين الذين رفضوا قبل سنوات قليلة المشاركة في انتخابات بلدية كانت إسرائيل مصممة على فرضها عليهم.

ليس غريبا بالتالي، ان يقابل العالم كله الخطوة الأميركية الناقصة إلى درجة الانتفاء بكل ضجيجها وصخبها ورعاية نتنياهو لها مؤيدا ومبتهجا بما قد تؤمنه له من نصر في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. أوروبا كلها رافضة بما فيها كبريات دولها، روسيا وانكلترا وألمانيا وفرنسا، وقبل هؤلاء جميعا: الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجميع المنظمات الدولية مليء بالقرارات التي تؤكد على أن الجولان سورية الأصل والفصل والانتماء وأن إسرائيل دولة غاصبة لأرضها ومستولية على سيادتها. ويلفت الأنظار، دون شك، أن تكون الولايات المتحدة وعلى مدى تاريخ طويل يمتد إلى تاريخ اغتصاب فلسطين من قبل العدو الصهيوني كانت دائما إلى جانب اعتبار الجولان أرضا محتلة من إسرائيل وأن انتمائها الثابت والأكيد يعود للدولة السورية على مختلف ما مرّ عليها من أنظمة وعهود، يضاف إلى ذلك أن شحطة القلم الترامبوية، مخالفة لكل ما في الدنيا من قوانين وأنظمة ومعاهدات.

ونلاحظ مع الملاحظين أن الدول العربية جميعا قد رفضت توقيع ترامب على تمليك مال الغير لأعدائهم التاريخيين، إلاّ أن ذلك الرفض قد جاء غالبا على ألسنة وزراء الخارجية العرب، وهم لا يمثلون قمة السلطة في بلادهم، بل هم كادوا في هذا الصدد أن يكونوا مجرّد ناطق رسمي باسمها يعبّر إعلاميا عن موقف أنظمتهم بلهجة تخلو من الدفء والاندفاع والتعبير عن موقف حاسم جازم. نعلم أن الأمة العربية تشكو من غزو إيراني يكاد أن يطاول معظم بلادها ومصالحها وهو يضرب الأسافين الصاعقة في أجسادها، الأمر الذي جعل بعضها يقصّر في واجباته تجاه تحديات الولايات المتحدة المستجدة، مع أن التقصير والاكتفاء بالمواقف الإعلامية أمر يدعو إلى التساؤل وإلى الدعوة إلى مجابهة العدوان الأميركي المستجد بما يستأهله من اهتمام ومواجهة ومجابهة، فضلا عما يستأهله من وجوب توحيد الصفوف والجهود والقوى العربية التي تآكلت وحدتها بحدودها الدنيا، إلى حد بعيد  فما هو حاصل اليوم ليس بالقليل، وبالرغم من أنه حتى الآن يبقى كلاما وموقفا وتوقيعا ملزما لفريقيه معا دون سواهما من الدول والجبهات والجهات، إلاّ أن خشيتنا أن تجيء القوة الأميركية الفارضة بكل ضغوطاتها المادية والمعنوية والسياسية والاقتصادية، عنصرا مستجدّا لا بد وأن تكون له كثير من الآثار السلبية على مدى المستقبل المنظور والبعيد، فوضع البلاد العربية مع الأسف يشكو في هذه الأيام من تراخ وتراجع سواء على المستوى الرسمي أم على المستوى الشعبي، خاصة وأن بلادنا العربية تغلي بمشاكل كلّ منها في داخلها وفي صلب الكثير من أنظمتها، وفي تشتت قواها الشعبية مما يؤكد على وجوب الدفع اتجاه بذل جهد حثيث واستثنائي على مستوى البلاد الإسلامية التي يفترض أن تكون معظم المستجدات داخلة في صلب اهتماماتها وفي طليعتها قضية القدس، بكل مكانتها الدينية عند العرب والمسلمين والمساعي الدائبة إلى ابتلاعها وتهويدها من قبل إسرائيل وداعمتها الأولى في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، خاصة في أيام «الطيب الذكر» الرئيس ترامب.