Site icon IMLebanon

من يقف وراء زلزال وثائق بناما؟

أسقطت وثائق بناما التي تشكل أكبر عملية تسريب في التاريخ، السرية عن ملاذات ضريبية بقيت طوال عقود “جنات” ضريبية لأقوى – وأغنى – رجال العالم. وهؤلاء لجأوا إليها لإيداع أموال فاسدة جمعوها على حساب شعوبهم وهرباً من اداء واجباتهم الضريبية.ومع تخلخل هذه القلعة التي بقيت طويلاً عصية على كل محاسبة، سقطت هيبة حكومات نافذة وقوية لطالما تباهت بإجراءات صارمة ومشددة للقضاء على تلك الملاذات، فيما بقي الأغنياء يزدادون غنى والفقراء فقراً.

ليس التسريب الأخير الذي أقلق بعضاً من كبار زعماء العالم السابقين والحاليين، الأول من نوعه، إذ سبق لتسريبات أن فضحت لجوء نافذين كبار الى “جنات” ضريبية لإيداع أموالهم. ولعل آخرها كان العام الماضي عندما كشفت تسريبات لملفات سرية لدى مصرف “أتش أس بي سي” البريطاني أن وحدته السويسرية ساعدت بعض عملائها الأثرياء على تفادي الضرائب من طريق تسويق حسابات أو منتجات مالية تساعد على تجنب الضرائب وإخفاء أصول بملايين الدولارات والسماح لعملائها بسحب مبالغ نقدية ضخمة تصعب متابعتها.

وتلك التسريبات التي كشفها موظف سابق في قسم تكنولوجيا المعلومات في المصرف البريطاني شملت 30 ألف حساب تقارِب قيمة أصولها 120 مليار دولار يملكها مشاهير في السياسة والفن والرياضة والأعمال.

لكنّ التسريب الأخير الذي حرك حكومات العالم من ايسلندا الى أوستراليا، يكتسب أهميته لا من كونه الأضخم فحسب، وإنما أيضاً للجهد المحوري الذي قام به الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية بتغطيته النشاط اليومي لشركة الاستشارات المالية ” موساك/ فونسيكا” خلال السنوات الأربعين الأخيرة.

ولا شك في أن صحيفة “دويتشه تسايتونغ” ، فتحت صفحة جديدة في عالم الصحافة بكشفها الوثائق البالغ عددها 11,5 مليوناً. فقد حصلت الصحيفة الألمانية على الوثائق من مصدر داخل شركة المحاماة، ثم اتصلت بالاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، والذي شكل تحالفاً لعدد كبير من الصحافيين الذين تولوا طوال عام واحد دراسة البيانات ومن ثم تحويلها إلى فضيحة عالمية، في ما صار يعتبر أكبر عمل صحافي استقصائي عالمي استخدم أسلوب “صحافة البيانات”.

أما الصحافي الذي يقف وراء ظهور الشبكة الدولية من الصحافيين الاستقصائيين التي أبدت استعدادها لفضح هذه “الجنات” الضريبية، فيدعى جيرالد رايلد الذي أمضى 26 سنة يعمل مراسلاً ومحرراً في أوستراليا وإيرلندا.

إزاء زلزال كهذا، لم تعد ثمة حاجة الى إعادة التركيز على أهمية دور السلطة الرابعة، استقصائية كانت أم غير استقصائية، في فضح ممارسات زعماء العالم الاقوى والاغنى، والذين يخالون أن مناصبهم وأموالهم تحصنهم من اي محاسبة.