Site icon IMLebanon

مَن يستدرج مَن: واشنطن ترامب أم طهران؟

 

في الأخبار خلال الساعات القليلة الماضية المعلومات الآتية:

«أعلن المكتب الإعلاميّ لما يُعرف بـ «قوّات سورية الديموقراطية» عن بدء تمشيط مدينة الرقة السورية والبحث عن خلايا نائمة تابعة لتنظيم «داعش»، وتحدّثت مصادر عن تسلّم دول غربيّة موجودين في الرقة للتحقيق معهم». وتضيف المعلومات: «أن المقاتلين المشار إليهم ينتمون إلى الجنسيّات الفرنسيّة والبلجيكية حيث سُلّموا إلى أجهزة استخبارات بلديهما».

انتهى الخبر ليبدأ التعليق.

الانطباع الأوّل الذي يتكوّن نتيجة المعلومة المشار إليها هو ما يأتي:

لقد بدأت مرحلة التصفيات النهائيّة للحرب الســـوريّة أو للحرب في ســورية، مع دخول هذه الحرب عامها السابع. وبتعبير آخر، يبدو كأننا في مرحلة «تســـريح» أو إنهاء خدمات مجموعات المقاتلين الذين شاركوا في حرب العراق وسورية أكثر تحديداً، إضافة إلى نشاطات أخرى متنوّعة من التي خاض مقاتلو الدولة الإسلامية غمارها في مجموعات أخرى من أنواع النضال التكفيري من كل حدب وصوب.

ومع بروز انتهاء الحل العسكري وتغليب صفقة الحل السياسيّ، يتم الآن تسريح المقاتلين من المرتزقة الذين توافدوا بكثافة إلى المنطقة من مختلف دول العالم، خصوصاً الأوروبيّة منها، والآن ومع عودتهم إلى بلادهم، فالمصير الذي ينتظرهم هو الاعتقال والمحاكمة والمساهمة في ارتفاع نسبة البطالة في البلاد التي وُلدوا فيها.

تزامن ذلك مع تطوّرات أكثر إثارة وخطورة على صعيد المنطقة ألا وهو اندلاع «الشرارة النووية» من جديد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإيران حول الملف النووي إياه. وحول هذا الملف كلام كثير قيل وكلام أكثر سيُقال.

من الزاوية «التقنيّة»: رفض الرئيس ترامب تجديد العمل بالاتفاق، من دون إلغائه، ومع لهجة تصعيدية لا تخلو من الخطورة إذا ما أخذ في الاعتبار ذهاب الرئيس الأميركي إلى المدى الأبعد والإقدام على إلغاء الاتفاق.

وخلال الحملات الإعلاميّة المتبادلة بين واشنطن وطهران، استخدمت مفردات قاسية بين الطرفين، حيث هدّد ترامب بالإقدام على إلغاء الاتفاق، وردّ عليه المرشد الأعلى علي خامنئي متوعداً بالعمل على «تفتيت» هذا الاتفاق.

والسؤال الذي يُطرح تلقائياً في مثل هذا الوضع: ما له وما عليه؟

ويمكن بدء الرد على التساؤلات بتساؤل آخر ومن نوع آخر فنقول: مَن يستدرج مَن واشنطن أم طهران؟ واستطراداً: مَن عزل مَن وسط هذا الحراك النووي؟

منذ اليوم الأوّل لدخوله البيت الأبيض والمفاجآت تتوالى في مواقف ترامب وقراراته، فهو يحكم أميركا بذهنيّة رجل الأعمال، السيد المُطاع الذي لا يقبل النقاش بسهولة، وهو لا يقيم وزناً لأي طرف آخر علماً أن الولايات المتحدة تحكمها دولة قوانين ومؤسسات، ومن هذا المنحى أقدم على اتخاذ كثير من القرارات ووقّع على كثير من القوانين، لكن المحكمة العليا كثيراً ما عمدت إلى إلغاء العمل ببعض الإجراءات الرئاسية.

وفي التداعيات للقرار النووي يُلاحظ الآتي: قدّم ترامب بموقفه النووي السلبـي «موقعاً إيجابياً» بالنسبة إلى الرئيس الشيخ حسن روحاني على الصعيد الداخلي حيث استغلّ الرئيس معارضة ترامب الاتفاق ليؤكد أنه كان على حق عندما وافق عليه. وفي جانب آخر يسمح موقف ترامب للسلطات الإيرانية بعدم التقيّد بما تضمّنه الاتفاق من حيث ممارسة الرقابة على إيران لضبط عملية تخصيب اليورانيوم، وبالتالي إنتاج مزيد من الطاقة النووية بما هو للاستخدام السلبـي أو الإيجابي لهذه الطاقة.

على أن الأهم والذي يجب التوقف عنده هو مواقف الدول الأوروبيّة المعارضة لما اتخذه الرئيس الأميركي. وفي هذا المجال يُشار إلى التباعد القائم بين الجانب الأميركي والجانب الأوروبيّ وهما على طرفي نقيض من الأزمة القائمة. فقد صدرت مجموعة تصريحات ومواقف أوروبيّة متعاطفة مع إيران وتدعو إلى الاستمرار في دعم الاتفاق، بخاصة أن الدوائر التابعة لمنظمة الطاقة النووية قدمت شهادة حسن سلوك نووي إيراني وأشادت بالقدر الذي التزمت به إيران عملاً بمضمون الاتفاق. وتجرى اتصالات مكثفة بين الجانبين الأميركي والأوروبي في سعي إلى عدم انهيار الاتفاق.

أما في ما يتصل بموضوع «العزل» نتيجة الموقف الأميركي الترامبـي، فتمكن الاستعانة بموقف الوسيط الأميركي إلى الشرق الأوسط والى النـزاع الفلسطيني – الإسرائيلي والعربي – الاسرائيلي، دينيس روس. فهو كتب يقول: «إذا لم تصادق إدارة الرئيس ترامب على الاتفاق النووي ثم انسحبت منه كلياً فسوف تقوم بذلك بمفردها تماماً وسوف تعزل بذلك نفسها، وليس الجانب الإيراني، وسيكون من الصعب للغاية التأثير في السلوكات الإيرانية من خلال الوسائل غير العسكرية».

ويضيف روس: «في حقيقة الأمر، سيكون من العسير على الإدارة الأميركية حشد ردود الفعل الأوروبية أو الدولية ضد سلوك إيران وهو المثير للتهديدات بما في ذلك استخدام الميليشيات الشيعيّة الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط».

وبينما تتفاعل أزمة «المواقف النووية» بين الولايات المتحدة وإيران، لا بد من التعريج على جوانب أخرى من أزمات المنطقة ذات العلاقة المباشرة بالموضوع.

خلال المداولات الطويلة الشاقة التي حصلت بين الولايات المتحدة ومجموعة دول «خمس زائد واحداً»، كان المفاوض الأميركي يصرّ على «دمج» الشؤون الأخرى المتعلّقة بأزمة الشرق الأوسط. لكن هذا الطلب كان يقابل كل مرة بالرفض المطلق من الجانب الإيراني، حيث يصر على التعاطي مع موضوع الاتفاق النــووي بصورة منعزلة عن القضايا الأخرى، وهذا ما تخطّط له مراجع معنيّة يوم خروج الخلاف النووي بين أميركا وإيران عن السيطرة. وترمي المساعي الجارية حالياً إلى العمل على التوصّل إلى عقد «صفقة كاملة»، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار المرحلة المهمة والحساسة التي بلغتها المساعي الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق هدنة طويل المدى في سورية. وتعلّق الأوساط المعنيّة مباشرة بالموضوع كثيراً من الأهميّة على الاجتماع الذي سيُعقد نهاية تشرين أول (أكتوبر) الحالي في آستانة في كازاخستان، حيث لم تتمكّن فصائل المعارضة – المعارضات من التوصل إلى وفد موحد إلى الاجتماع المقبل. واستخدم الرئيس بوتين خلال الساعات الماضية تعبيراً لافتاً حيث اقترح انعقاد مؤتمر شعوب سورية لتحقيق المصالحة بين الحكومة والمعارضة. لاحظوا تعبير «شعوب سورية».

وعندما انتخب جورج دبليو بوش رئيساً للولايات المتحدة، انتزعت المشهد السياسي الأميركي العام مجموعة من اليمين المتطرف، واليمين هنا بالمعنى الأيديولوجي، عبّر عنها حينذاك من أطلق عليهم «المحافظون الجدد»، وأدّى اعتماد هذه السياسة إلى نتائج كارثيّة في أكثر من مكان في هذا العالم، وبصورة أخص منطقة الشرق الأوسط. وكان ما أطلق عليه الحرب على الإرهاب الذي استوجب بدوره ما عُرف بحرب الإرهاب على محاربيه.

وكان الخطأ الفادح هو الذي ارتكبه الرئيس جورج دبليو عندما أطلق ذلك التصريح المثير للدهشة بقوله: «الآن أصبحت أميركا والعالم أكثر أمناً»! فإذا بالأمن يسقط في جبال تورا – بورا.

هناك تهديدات موسمية تتحكم فيها العلاقات بين الإقليم (إيران) وقوى دوليّة أخرى كالولايات المتحدة، الأمر الذي يثير الاهتمام حتى لا نقول القلق، وهو ما ورد على لسان بعض المسؤولين الإسرائيليين الذين ربطوا التهديدات بالعلاقات اللبنانيّة و «حزب الله» والجيش اللبناني.

قد ينطوي الأمر على عمليّة ابتزاز اعتادت عليها إسرائيل من حينٍ لآخر، فيما يمكن التذكير بمبدأ «توازن الرعب» أو «توازن الردع». وهذا من شأنه أن يُبقي الوضع معلّقاً: لا سلم سليم ولا حرب حاسمة، وهذه واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ الشعوب ما لم يتوافق الجميع، في لبنان، على نقاط وطنيّة مشتركة عميقة الجذور وصلبة القواعد.

* تتصف قرارات الرئيس دونالد ترامب بشيء من الدونكيشوتيّة تذكرنا بصور من ذلك الزمن الجميل من خمسينات القرن الماضي وستيناته، وبعض الأفلام التاريخيّة التي تظهر مزارع تكساس وصورة الأميركي الداخل إلى حانات خاصة بالممثل الشهير جون وين وغيره. لكن هذا في الأفلام لا في الحياة الصحيحة من البيت الأبيض. فالأمر يختلف كثيراً إذا ما أصرّ دونالد ترامب على التمسك بمواقف طواحين الهواء.

وهناك ما يثير الاهتمام الممزوج بالقلق مع طروحات بالغة الجديّة تتحدث منذ الآن عبر السؤال: هل سيتمكّن ترامب من إكمال السنوات الأربع من ولايته في البيت الأبيض؟

… وفي آخر الكلام ومن الأجواء اللبنانية والعربية، بدت رائحة النفط تفوح في الأوساط اللبنانيّة وهي الثروة التي طال انتظار التنقيب عنها واستخراجها.

ودعاء المخلصين: أن يكون النفط هو النعمة الآتية بلهفة إلى جميع اللبنانيين لا أن تكون – لا سمح الله – نقمة!

 

 

* إعلامي لبناني.