Site icon IMLebanon

المعفى عنه مشرّعاً للعفو

 

يكثر الحديث في الأوساط السياسية والقضائية والإعلامية عن صدور قانون عفو عام جديد قبل موعد الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب في أواخر شباط المقبل. ولا شك في أن ذلك يبعث الأمل لعوائل السجناء الذين يعانون من ظروف احتجاز لا تتناسب مع المعايير القانونية المحلية والدولية، والذين يعتقدون أن الأحكام بالسجن لم تكن عادلة.

 

لكن على أبواب الانتخابات، من الصعب فصل موضوع العفو العام عن المكاسب التي يمكن أن يحققها كل من يجاهر بدعم صدور قانون كهذا. وبالتالي، إن موضوع العفو العام الذي يفترض أن يشمل عشرات آلاف الأشخاص الملاحقين قضائياً في لبنان يشكّل مادة دسمة للاستخدام في الحملات الانتخابية.

صحيح أن الدستور والقانون يتيحان للسلطتين الإجرائية والتشريعية تجاوز مبدأ استقلالية القضاء وإلغاء أحكام صادرة عنه من خلال إصدار قوانين العفو، وصحيح أن من حق القوى السياسية الاستفادة من هذا الموضوع في بازار الانتخابات النيابية، لكن ذلك لا يعفي الدولة من مسؤولياتها لجهة تأمين حقوق الناس والحفاظ على مكانة الدولة وصيانة النظام العام. كلام جميل، لكن لا يخفى على أحد أن الدولة في لبنان تعاني من ضعف في ضمان الحق في المحاكمة العادلة، إذ إن تأمين هذا الحق الإنساني والدستوري يحتاج إلى المزيد من الجهود، خصوصاً لجهة تطهير قصور العدل من شتى أنواع الفساد، وتطوير كفاءات جميع العاملين في قطاع العدالة، بمن فيهم المحقق والكاتب والطبيب الشرعي والنائب العام والخبير التقني والمرشد الاجتماعي والقاضي والمحامي وحارس السجن. كذلك فإن المحاكمة العادلة تتطلب فصل السلطة القضائية عن باقي السلطات هيكلياً ومالياً وإدارياً، وتفعيل جدي للتفتيش القضائي، ورفع الحصانات عن السياسيين، وإلغاء الإذن المسبق بالملاحقات القضائية.

أنجزت بعض التحسينات الطفيفة على نظام العدالة في لبنان منذ انتهاء الحرب في مطلع تسعينيات القرن الماضي، لكنها ليست كافية. ولا يزال التدخل في التشكيلات القضائية قائماً على أساس المحاصصة الطائفية والمذهبية، وما زالت البنية التحتية للمخافر والسجون وقصور العدل ضعيفة، والموارد المادية والبشرية المخصصة للضابطة العدلية والنيابات العامة وغرف القضاة والسجون ناقصة، وغير متوافرة أحياناً. أما على مستوى التشريع، فهناك تأخر في تحديث القوانين وتأجيل متكرر لمراجعة مدى التزام لبنان المبادئ الدستورية وتعهداته الدولية.

هذه المشاكل ليست اليوم المبرر الحقيقي لصدور قانون عفو عام عن آلاف الأشخاص الملاحقين قضائياً أو الصادرة في حقهم أحكام جزائية. فقوانين العفو العام في لبنان لا تصدر بسبب تراجع الحق بالمحاكمة العادلة، بل إن صدورها يأتي عادة لأسباب سياسية وظروف محددة مرت بها البلاد: إن أبرز قوانين العفو في لبنان صدرت بعد وقوع اضطرابات أهلية وصدامات سياسية وطائفية ومذهبية بين اللبنانيين (1958 – 1968 – 1991 – 2005). يُحاجج البعض بأن قانون العفو العام المطروح اليوم يأتي في الإطار نفسه. وبالتالي إن المحاصصة الطائفية والمذهبية المكرسة في النظام اللبناني تقتضي أن يشمل قانون العفو العام أشخاصاً من مختلف الطوائف والمذاهب، حتى لو لم يكونوا مشاركين مباشرة في الاضطرابات. فيمكن أن يكونوا مثلاً من الملاحقين في جرائم مخدرات أو سرقات أو اغتصاب أو تزوير.

لكن المفارقة اللافتة تكمن في أن بعض السياسيين الذين يطالبون بقانون العفو العام اليوم هم أصلاً من المستفيدين من قوانين العفو الصادرة في السابق. فلماذا لا يرضى هؤلاء لغيرهم بما ارتضوا به لأنفسهم؟