الصراحة تعني أن تقول الحقيقة ولو كانت أحياناً مرّة وأحياناً ثانية مؤذية إلا أنها في الحالتين ضرورية وواجبة خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالدولة وبالإنتظام العام، وعملاً بهذا الفهم يتحتّم على كل واحد منّا أن يتوجّه بالسؤال إلى المسؤولين والقيادات السياسية والروحية لماذا يبقى لبنان من دون رئيس جمهورية ومَنْ هو المسؤول الفعلي عن تعطيل هذه الانتخابات أكثر من أربعة عشر شهراً، وهل هذا التعطيل دستوري أو مخالف للدستور؟
أهل المعرفة بالقانون الدستوري لا يحمّلون الذين يقاطعون الجلسات التي يدعو إليها رئيس مجلس النواب، بقصد تعطيل النصاب الذي لا يكتمل وفقاً للدستور إلا بحضور أكثرية الثلثين، هكذا أفتى رئيس مجلس النواب من دون العودة طبعاً إلى النص الدستوري الواضح، بأن الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس تحتّم حضور أكثرية ثلثي أعضاء مجلس النواب لانتخاب الرئيس وبحضور أكثرية النصف زائد واحد في الجلسات التالية في حال لم يكتمل النصاب في الجلسة الأولى، لكن رئيس المجلس لم يأخذ بهذا النص ولا بالنص الذي يعتبر المجلس في حالة انعقاد إلى أن ينتخب رئيساً للجمهورية بل ذهب بعيداً في الاجتهاد وفي التعمية على النص بأن اعتبر وقرّر أن نصاب أية جلسة يدعو إليها لا يكتمل إلا بحضور الثلثين الأمر الذي أتاح لأقلية الثلث أن تتحكّم بمصير الانتخابات الرئاسية بعدم حضورها الانتخابات، وهذا الاجراء أو الاجتهاد الذي ابتدعه رئيس المجلس جعل الأقلية تتحكّم بالأكثرية وهو ما يتعارض مع النصوص الدستورية أولاً ومع الديمقراطية ثانياً وتشكل سابقة غير موجودة في كل الأنظمة الديمقراطية في العالم وهو أن تتحكّم الأقلية بالأكثرية في حين أن النظام الديمقراطي يقضي بأن تتحكم الأكثرية بالأقلية، كما أن الدستور اللبناني نص على أن أكثرية الثلثين مطلوبة لعقد الجلسة الانتخابية الأولى وبعد ذلك تصبح أكثرية النصف زائد واحد كافية لاكتمال النصاب القانوني لانتخاب رئيس الجمهورية الأمر الذي لم يحصل رغم مرور أكثر من أربعة عشر شهراً على الشغور في رئاسة الجمهورية.
ولذلك نجد أن هناك إجماعاً بين رجال القانون الدستوري في لبنان، وفي كل الدول ذات النظام الديمقراطي البرلماني، وحتى الرئاسي على تحميل رئيس مجلس النواب ولا أحد سواه مسؤولية إبقاء الشغور في رئاسة الجمهورية لأنه لم يطبّق الدستور اللبناني حسب نصوصه بل ذهب في الاجتهاد وبعيداً، وخلافاً للنصوص، وبذلك يكون هو ولا أحد سواه المسؤول عن التعطيل، وتحكيم الأقلية بمصير البلاد والعباد وهي التي استفادت من هذا الاجتهاد البراوي وواظبت على عدم حضور الجلسات التي دعا إليها لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون أن تشعر بأنها تتحمّل أو تشارك في تحمّل مسؤولية استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية بكل ما له من انعكاسات سلبية على الأوضاع العامة في البلاد، من انتظام المؤسسات إلى تحريك العجلة الاقتصادية إلى إبعاد شبح الخوف من التفكك وتحلّل الدولة.