أن يعتاد اللبنانيون الفراغات في السلطة التنفيذية لا يجوز أن يكون القاعدة، فيصبح «طبيعياً ومقبولاً» ألاّ يُنْتَخَبُ رئيس الجمهورية في المهلة الدستورية، وألاّ تُشَكّل الحكومة ضمن مدة معقولة (باعتبار أن لا نص في القانون الدستوري على مهلة لمرحلة التكليف)! وفي تقديرنا أن تَقَبُّل هذا الواقع والتعايش معه هو جريمة في حق هذا الوطن.
وليسوا على صواب الذين يحدّثوننا عن أننا لسنا وحدنا، بين الشعوب والبلدان من يتعثّر عنده تشكيل الحكومات، إلا بعد صعوبات، ويضربون أمثلة عمّا يُجرى في بلدان متقدّمة، كما هي الحال في إيطاليا وأيضاً في بلجيكا (على سبيل المثال لا الحصر) . فالتشبيه لا ينطبق عمّا نحن فيه وعمّا يعرفه كل من إيطاليا وبلجيكا البلدين الأوروبيين المصنّفين «عالماً أول». لسبب بسيط ولكنه بليغ، ولأسباب اضافية. أما السبب البسيط فهو أنّ في كل من البلدين المذكورين أعلاه إدارة تسيّرها الأنظمة المعمول بها والقوانين سارية الإجراء.
أما عندنا فكما يعرف الجميع.
وأما الأسباب الأخرى فيمكن الإشارة الى بعضها في الآتي:
1- ليس عند البلدان التي تعاني أزمة تأليف الحكومات، خصوصاً ما كان منها في أوروبا، ليس لديها أزمات متناسلة بينها مصيريٌّ في كل ما للكلمة من معنى. فلا «إسرائيل» على حدودها. ولا حروب في إقليمها، ولا مقاومة مسلحة داخل الحدود، ولا طوائف ومذاهب يجب الأخذ بآرائها في كل صغيرة وكبيرة.
2 – ليس لتلك البلدان أزمات كهرباء وماء وبُنى تحتية لا تكاد تصلح لتأدية الدور الذي إنشئت من أجله!
3 – ليست تعاني أزمة نفايات متفاقمة منذ سنوات، ويتعذر عليها إيجاد حلول لها أو الخروج منها.
4 – وليست غارقة في الديون الى الحدّ المرعب الذي نغرق فيه نحن.
5 – وليس فيها «عصابات المولدات» (…)
6 – وليس عندها ندرة في السياح، بل هي تستقبل عشرات الملايين منهم سنوياً، فلا يشعر أي سائح (كما أي مواطن) بأنه في بلد يعاني أزمة تشكيل حكومة.
ويمكن الإسترسال طويلاً جداً في سرد ما يفترض بنا تشكيل الحكومة، من أجل مواجهته «بالأمس قبل اليوم» وفق التعبير السائر هذه الأيام في لبنان.
ولمّا كان لهذه الجرجرة في منع تأليف الحكومة تداعيات خطرة عندنا، يطرح السؤال ذاته: من المسؤول؟ وكيف سيتحمل المسؤولية؟ وما هو «البنالتي» الذي سيُجازى به؟!
ذلك هو السؤال.