بعيداً عن السجالات المشتعلة بين الفرقاء على الساحة الداخلية، وبعيدا عن النقاشات المستعرة حول مشروع قانون الموازنة بعد أن وضع المجلس النيابي يده عليه وأمعن فيه تشليحاً من هنا، وتشطيباً من هناك ما استدعى من رئيس الحكومة إطلاق صرخات التحذير مما يحصل. وبعيداً عن حركة الزيارات الرسمية العربية والأجنبية الملفتة من زيارة موفد الرئيس الروسي إلى زيارة الوفد السعودي، وأكثر من ذلك بعيداً عن التحليلات الكثيرة بالنسبة إلى نتائج اجتماع الساعات الخمس بين خصمي الأمس وحليفي اليوم الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل.
بعيدا عن كل هذه التطورات التي يشهدها لبنان هذه الأيام وعلى الرغم من اهتمام اللبنانيين بها نظراً إلى أهميتها ومردودها على الوضع الداخلي البالغ التعقيد والتصدع باعتراف المسؤولين المباشرين والموالين قبل المعارضين، هناك قضية حسّاسة وبالغة الخطورة وتعني جميع اللبنانيين هي ظاهرة وبالأحرى آفة انتشار الدراجات النارية بأعداد كبيرة جداً في العاصمة بيروت بلا رقيب ولا حسيب، ومن دون أي اعتبار لقوانين السير وللسلامة العامة في ظل وجود وزارة معنية بهذا الأمر ومسؤولة عن سلامة المواطنين وعلى تطبيق القوانين المرعية الاجراء، لم تتحرك حتى الساعة لوضع حدّ لهذه الآفة كي لا نقول أكثر من ذلك من دون ان تبرر أسباب هذا الغياب الذي أدى إلى هذا الفلتان المريع والذي يحوّل العاصمة بيروت الى غابة من الدراجات النارية يسرح فيها أصحاب هذه الدراجات خلافاً لكل قوانين السير ولكل الاعتبارات المرعية الاجراء في الدول التي تحترم نفسها، وتحافظ على سلامة المواطن وتحرص على سلامة السير وعلى كل ما يعني ذلك من إجراءات تتخذ على هذا الصعيد من شأنها أن تخفف زحمة السير الخانقة من جهة، وتخفف من جهة ثانية من الحوادث التي تترتب على هذا الفلتان في نظام السير.
في أول خطوة لوزيرة الداخلية فور تسلمها مقاليد الوزارة اتخذت قرار إزالة السواتر والعوائق التي أقامها المسؤولون والوزراء حول مراكز وزاراتهم ومقراتهم، وبدأت بنفسها عندما أزالت العوائق والسواتر التي أقامها سلفها امام مبنى وزارة الداخلية، ولاقت هذه المبادرة ترحيباً واسعاً عند الشعب اللبناني بكافة شرائحه، واعتبروا هذا الاجراء الذي اتخذته الوزيرة وعممته على كل الوزراء لكي يحذوا حذوها ويسهلوا حركة المواطنين، عملاً حضارياً وديمقراطياً غير مسبوق في لبنان، وانهالت على الوزيرة التي اتخذت هذا الاجراء كل عبارات المباركة والتأييد لهذه الخطوة والتمني عليها بأن تستكمل بخطوات لاحقة مماثلة، تؤدي إلى وضع حدّ لهذا التجاوز على القانون بحجة المحافظة على الأمن الشخصي والمساواة بين اللبنانيين امام القانون، والأهم من كل ذلك إلغاء ما يسمى بالبؤر الأمنية والأصح بالجزر الأمنية التي تحد من حركة المواطنين وتتسبب بزحمة السير في العاصمة، وفي الكثير من الحوادث. وقبل هذا وذاك إيجاد حل جذري لآفة الدراجات النارية التي حولت العاصمة إلى غابة عنوانها فوضى السير خلافاً لما معمول به في كل عواصم العالم، لكن معاليها وهي المعروف عنها بالصلابة والعزيمة القوية ما زالت رغم مرور أكثر من نصف سنة على وجودها على رأس وزارة الداخلية تغض الطرف وكأن الأمر لا يعنيها لا من بعيد ولا من قريب، أو كأنها لا ترى غضاضة في أن تبقى العاصمة والشعب اللبناني يدفع الثمن من وقته ومن سلامته، فهل هذا ما تريده معاليها أم أن هناك أسبابا لا يعرفها المواطن تجعلها تغض الطرف عن هذه الآفة المسماة الدراجات النارية بكل ما تسببه من زحمة سير وما يستتبع ذلك من حوادث مؤلمة ضحيتها المواطن.