IMLebanon

لمن الأمر في لبنان وأين موقعه الجيوسياسي؟

لبنان في حداد وسط احتفال بالنصر. الحداد على الشهداء العسكريين الذين اختطفهم الدواعش في غزوة عرسال عام ٢٠١٤، ثم قتلوهم بدم بارد تنفيذا لأمر ضمن مخطط ارهابي جاء من الرقة التي تقترب قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا من تحريرها. والنصر صنعه الجيش بعملية فجر الجرود الاحترافية البطولية التي حرّرت الجرود من ارهابيي داعش.

الحداد لم يغلق باب الأسئلة لدى أهالي الشهداء وكل اللبنانيين عن ظروف الخطف وحسابات ما بعده، وعن ترك الأهالي في خيمة الانتظار ثلاث سنوات مع معرفة مسؤولين ان تصفية العسكريين جرت عام ٢٠١٥، وعن صفقة حزب الله – داعش التي أخرجت القتلة الى سوريا مقابل المعلومات عن مكان دفن الجثامين. والنصر ما حال دون فتح دفاتر الحروب الصغيرة والرغبة في تصفية الحسابات.

لكن لبنان عالق على المستوى الجيوسياسي الواسع في ممر ضيّق هو الخلاف على التوظيف السياسي للنصر العسكري. عنوان الخلاف ليس فقط الجواب الواقعي عن سؤال: لمن الأمر في لبنان، بل أيضا في أي موقع على الخارطة يريد صاحب الأمر وضع لبنان فيه. هل يقود تحرير الجرود الى تكريس السيادة الوطنية وإغلاق الحدود للإلتفات الى بناء مشروع الدولة وايجاد حلول لقضايا الناس أم الى التصرّف كأن الوطن الصغير مساحة جغرافية في مشروع الأمة وربطه بحرب سوريا التي هي ميدان لصراع محاور إقليمية ودولية؟.

الرئيس سعد الحريري يعيد التذكير في مجلس الوزراء بموقف النأي بالنفس وتحييد لبنان عن صراعات المحاور، ويقول: لبنان ليس جزءاً من أي محور بل هو جزء فاعل من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وأبسط ما يقوله حزب الله الذي يتهم اميركا قائدة التحالف الدولي بأنها صانعة داعش والإرهاب هو ان محور المقاومة انتصر في سوريا وهزم المشروع الأميركي – الصهيوني – التكفيري، وعلى اللبنانيين المسارعة الى اللحاق بالمحور المنتصر. وهناك قوى باتت تتحدث بشكل طبيعي عن تعاظم سلطة حزب الله ان لبنان صار عمليا جزءا من محور المقاومة بقيادة ايران.

لكن الواقع أشدّ تعقيدا من ذلك. فلا اللعبة الاقليمية التي يديريها الكبار في سوريا والعراق واليمن يمكن ان تنتهي بانتصار طرف واحد. ولا التركيبة الطائفية في لبنان تسمح بالهيمنة الكاملة لأي طرف أو بالانضمام الى محور اقليمي. ولا مصالح الكبار وحتى مصالح القوى الاقليمية اخراج لبنان من دوره في تقديم خدمات لمنطقة تضربها الحروب، وبالتالي سحب المظلة الدولية التي تحمي استقراره النسبي.

والواقعية تتطلب ممن يريد صنع التاريخ أن يقرأ تاريخ لبنان.