مَنْ يوفّر الغطاء السياسي وما هي حدود التعاون الميداني مع الدولة السورية؟
كوماندوس لبناني لتحرير العسكريّين: خيار جدّي أم ورقة ابتزاز؟
التطوّرات العسكرية المتسارعة في القلمون تُغيّر قواعد الحرب بين حزب الله وداعش
في خضم التسريبات التي تضجّ بها الكواليس السياسية عن التحضير لعملية عسكرية خاطفة على جرود عرسال لتحرير العسكريين المحتجزين لدى «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية»، ثمة تطورات ميدانية دراماتيكية حصلت في تلك المنطقة الجغرافية أملتها السيطرة الكلية لـ «التنظيم» على جرود القلمون السورية، ووضعها تحت إدارته العسكرية، فيما تمّ التوافق على إيلاء «جبهة النصرة» مهام الإدارة العسكرية والميدانية للجرود اللبنانية. هذه التطورات المفتوحة على مزيد من التغييرات والمفاجآت، التي قد تطرأ على طبيعة القوى السورية المسلحة المتحكمة بالجرود، من شأنها أن ترخي بظلالها على الواقع الأمني والسياسي الداخلي، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المخاطر والتحديات الجدّية والخطيرة أمام لبنان.
فالمتابعون لمنهجية عمل تنظيم «الدولة الإسلامية» يشككون في قدرة اتفاق تقاسم إدارة المنطقة بين النصرة و«داعش» على الصمود لفترة طويلة، ويعتقدون أن المسألة ليست سوى مسألة وقت لإتمام سيطرة « تنظيم الدولة» على مناطق نفوذ «جبهة النصرة» في الجرود اللبنانية، ما يجعل «داعش» على تماس مباشر مع القرى والبلدات الحدودية من جهة، والأهم مع ميليشيا «حزب الله» التي تتمركز في منطقة القلمون وفي الجرود اللبنانية من جهة ثانية، حيث تدور حرب عصابات بينها وبين «جبهة النصرة». هذا التحوّل سيضع ميليشيا الحزب أمام اختبار جديد في قتالها «تنظيم الدولة» الأشرس في حربه وعقيدته، وهو قتال قد لا ينحصر بحرب عصابات، كما هي الحال اليوم، بل يتعداها إلى احتمال القيام بعمليات تمدّد أوسع إذا قرأ هذا التنظيم أن ظروف المعركة الاستراتيجية الإقليمية تسمح له بذلك، أو تتطلب منه فتح جبهة على الحدود اللبنانية تخفّف عنه الضغط الذي يواجهه في الجبهات الأخرى سواء العراقية أو السورية.
على أن اتساع رقعة تورط لبنان عبر انغماس «حزب الله» في الحريق السوري، سيُفاقم من حجم التحدّيات أمام الجيش اللبناني الذي من الصعب التكهن بالمسار الذي سيسلكه جراء ما قد تفرضه التغييرات المرتقبة وسط التخبّط السياسي والانقسام الداخلي الذي ظهر جلياً في خضم مواجهة الجيش لامتحان عرسال في آب الماضي، والذي ينسحب على كيفية إدارة السلطة السياسة لملف أزمة العسكريين المحتجزين لدى التنظيمات المسلحة.
وإذا كان هناك من تلمس لنهج جديد في إدارة الملف ينحصر بقرار حاسم في خلية الأزمة الوزارية – الأمنية بالتعامل بسرية كاملة مع مجرياته، فإن التسريبات عن التحضير لعملية خاطفة لتحرير المحتجزين تطرح تساؤلات عن مدى جدّية هذا الخيار، الذي يذهب البعض إلى ضرب موعد لها ما قبل نهاية السنة، وإلى شرح تفاصيل عن تعاون عسكري وأمني لبناني – أميركي في رصد تحركات الخاطفين، وتحديد أماكن وجود المخطوفين، ووضع خططٍ سيقتصر تنفيذها على «كوماندوس» لبناني من دون مشاركة أميركية على الأرض.
هذا «السيناريو» وغيره من «السيناريوهات» يُدرجه مطلعون عسكريون رفيعو المستوى في إطار «البازار» أو «التمنيات» السياسية بعدما أضحى هذا الملف يشكل عبئاً على كاهل السياسيين، ومأزقاً للجميع في ظل الإدارة الخاطئة وهدر أوراق القوة التي كان يمكن أن يستخدمها لبنان قبل أن يُضحي الجميع رهينة لعبة الابتزاز التي يمارسها الخاطفون ويستخدمون فيها الأهالي.
ففي سياق التقييم لما جرى في الأشهر الخمسة الماضية، ثمة ملاحظات يوردها المطلعون العسكريون حيال تعاطي بعض الأجهزة الأمنية مع هذا الملف الذي يشمل عناصر من الجيش ومن قوى الأمن الداخلي، فهؤلاء إذ يعتبرون أن قيادة الجيش بقيت بعيدة عن إدارته، يؤكدون أنها شكلت «خلية أزمة داخلية» ضمن الجيش للتعامل مع أهالي العسكريين المنتمين إلى المؤسسة العسكرية وإلى احتواء ردود الفعل وضبط تحركاتهم، فيما لم يحصل الأمر عينه في المؤسسات الأمنية الأخرى، بحيث لا خلية أزمة داخلية ضمن قوى الأمن الداخلي للتعامل مع أهالي المحتجزين من عناصرها، تخفيفاً للأعباء النفسية والغليان الذي يعيشونه ويترجمونه مظاهره على الأرض.
لكن الملاحظات الأهم تكمن في تشعّب إدارة الملف، وفي غياب السرية التي تشكل العامل الأساسي في نجاح أي عملية تفاوض. فعملية التفاوض لإطلاق سراح مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا اتسمت بالسرية التامة، ولم يتم الكشف عن دور الوسيط القطري، السوري الجنسية، أحمد الخطيب في هذين الملفين بينما تم كشفه في بداية التفاوض في ملف العسكريين، ما عرّضه إلى ضغوط وصعّب مهمته، فضلاً عن أن اتساع حلقة المعنيين في خلية الأزمة التي تضم سياسيين ساهم في إعلان معلومات أمنية كانت طيّ الكتمان على غرار توقيف مطلقة أبو بكر البغدادي، الذي تم تسريبه للإعلام، بعدما وصلت المعلومات إلى أيدي السياسيين. هذه النماذج كفيلة بالدفع إلى الاستنتاج بأن التجاذب السياسي الذي يتحكم بالإدارة السياسية للملف من شأنه أن يُحبط أي خطوات إجرائية فعلية تقوّي أوراق التفاوض مع الخاطفين، وهي خطوات لا ترقى إلى مستوى وضع تصوّر بعملية عسكرية تحتاج إلى ظروف مختلفة كليّة.
فالعملية العسكرية الخاطفة لتحرير المحتجزين، والتي يتمتع الجيش بالقدرة على تنفيذها بعد الإعداد الجيّد لها، وفق مراقبين، تحتاج في الدرجة الأولى إلى قرار سياسي من الصعب توفره، انطلاقاً من كونها تتطلب تنسيقاً مع قوات النظام السوري، الأمر الذي لن يحظى بموافقة حكومية، كما تحتاج إلى سرية، يشوب الشك بإمكان تأمينها، نظراً إلى طبيعة القوى السياسية غير الموحدة الانتماء والتوجّه والرؤية. غير أن الأهم هو أن عملية كهذه ستكون محفوفة بالمخاطر ومرتفعة الكلفة وغير مضمونة النتائج، إذ أن نسبة فشلها توازي نسبة نجاحها، إن لم تتعدّاه. وإذا كان كلام المطلعين العسكريين رفيعي المستوى يتوقف عند هذا الحد، فإن بعض من السياسيين يسألون ما إذا كان الترويج لمثل هذا الخيار هدفه تحميل قائد الجيش العماد جان قهوجي مسؤولية إهراق دماء العسكريين، وتالياً إحراق ورقته كمرشح قوي لرئاسة الجمهورية، أم أن «معمودية الدم» هي الشرط لعبور هذا الامتحان، ولا سيما أن المعطيات التي يتم تداولها في بعض الأروقة السياسة تؤشر إلى أن العملية حاصلة لا محالة، وربما تسرّعها التطورات الأخيرة التي شهدتها جرود القلمون وقد تشهدها جرود عرسال، لكنها تنتظر الغطاء السياسي السنّي – الدرزي للقيام بها، فيما عقبات التنسيق اللوجستية مع النظام السوري يمكن تجاوزها خصوصاً أن قنوات التواصل الأمني والعسكري لم تُقفل يوماً، نظراً إلى كونها ضرورات تبقى قائمة بين الدول، حتى ولو كانت على نزاع أو خلاف أو عداء سياسي!