IMLebanon

من المسؤول عن إساءة «داعش» للإسلام؟

 كأن كلام شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب في مؤتمر «مواجهة الإرهاب والتطرف» الذي يعقد في القاهرة وتشارك فيه شخصيات ورجال دين يمثلون الديانتين الإسلامية والمسيحية، من مختلف دول المنطقة ومن دول أخرى خارجها، كأنه جاء رداً، ولو من دون قصد، على النداء الذي سبق أن أطلقه البابا فرنسيس قبل أيام قليلة، بعد عودته من زيارة الى تركيا التقى خلالها رئيسها رجب طيب أردوغان، ودعا القادة المسلمين، سواء كانوا ساسة أو رجال دين أو أكاديميين، إلى إدانة العنف الذي يتم ارتكابه باسم الإسلام.

يدور كلام الرجلين، البابا وشيخ الأزهر، حول الصورة السلبية عن الإسلام التي تقدمها جرائم تنظيم «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية. الشيخ أحمد الطيب دان «الجرائم البربرية» التي يرتكبها تنظيم «داعش» في العراق وسورية، وقال إن من يرتكبون هذه الجرائم يتغطون برداء الدين الإسلامي ويطلقون على أنفسهم اسم «الدولة الإسلامية» في محاولة لتصدير إسلامهم المغشوش.

في السياق ذاته، أعرب البابا عن إدراكه مدى الإساءة التي تلحق بالمسلمين بسبب الصورة النمطية التي تساوي بين الإسلام والإرهاب، ودان «الذين يقولون إن جميع المسلمين إرهابيون، كما لا يمكن القول إن جميع المسيحيين أصوليون». وفي الوقت الذي طالب البابا فرنسيس قادة المسلمين بإدانة سلوك الجماعات الإرهابية وتصرفاتها، التقى معه الشيخ احمد الطيب في كلام مفاجئ بصراحته قال فيه: «لا يجب أن نغض الطرف عن مسؤوليتنا عن أسباب الغلو والتطرف التي أدت الى ظهور تنظيمات مثل القاعدة والحركات المسلحة التي خرجت من عباءته». ومع أنه ليس من الإنصاف مطالبة شيخ الأزهر بكلام علني حول مسؤولية مناهج التعليم والثقافات الاجتماعية السائدة في عدد من المجتمعات العربية عن الصورة الخاطئة التي تتكون في أذهان الشباب عن مفاهيم التدين والجهاد والعلاقة مع أتباع الأديان الأخرى، فإن ما يشير إليه عن «مسؤوليتنا عن أسباب الغلو» يكفي لمن يريد أن يفهم.

لقد سبق أن تم إغراق ديانات أخرى في برك الدماء، بحجة الدفاع عن عقائد هذه الديانات أو بحجة مواجهة تيارات وأفكار أخرى. بهذا المعنى كان هناك وما يزال «داعشيون» في كل دين وفي كل عصر. لقد عانت المسيحية من إرث دموي ثقيل من الحروب التي أطلقت عليها صفة «صليبية»، ولم يكن ذلك الوصف أقل استهجاناً من إلصاق اسم «الدولة الإسلامية» بجرائم أبو بكر البغدادي، ومن رفع راية التوحيد فوق الجزارين ومرتكبي المذابح. وفوق ذلك، ماذا نسمي في أيامنا هذه ما يرتكبه بنيامين نتانياهو على أرض فلسطين باسم «الدولة اليهودية» من أعمال قتل وتهجير وسرقة بيوت واغتصاب أرض، فيما يصر رئيس حكومة إسرائيل على «يهودية» ما يفعله، بينما يدعوه كثيرون، من عقلاء اليهود والإسرائيليين وحتى من الفلسطينيين أنفسهم، إلى إبعاد الديانة اليهودية عن هذا الصراع السياسي والوطني، المتعلق بالأرض والحقوق وليس بالكنيس أو المسجد.

المقصود أن كثيرين من المجرمين ومن ممتهني السياسة في كل دين، استخدموا الدين لخدمة أغراضهم المجرمة والدموية. والدخول في متاهة مسؤولية الدين نفسه عن أمر كهذا تصل بنا الى دروب بالغة التعقيد والحساسية، لما تجرّه من ردود فعل، سوف يكون طابعها في أكثر الأحيان طائفياً ومذهبياً وسيزيد النار اشتعالاً.

وهكذا، فعندما يقدم البغدادي نفسه كـ «خليفة» للمسلمين في تلك المسرحية السيئة الإخراج في مسجد الموصل، لا بد أن ينبري كثيرون، سواء كانوا جهلة بتاريخ الإسلام أو مغرضين حاقدين عليه، أو مشاهدين عاديين لشاشات التلفزيون كل مساء، إلى التساؤل عن دور تعاليم الدين الإسلامي ومسؤولية هذا الدين عن تلك الارتكابات.

من الصعب، بل من عدم الإنصاف، الحديث عن «داعش» و «النصرة» وسواهما من رعاة الإجرام من دون الحديث عن الظروف التي نشأت فيها هذه الظواهر. لا بد من مراجعة السياسة الغربية في كل من العراق وسورية وما أدت إليه من ردود أفعال من قبل ضحايا هذه السياسات. لا بد أيضاً أن يدرك الغرب مسؤوليته الكبيرة عن هذا الاستخفاف بمصائر المجتمعات والشعوب في منطقتنا، فعلى رغم حرص الحكومات الغربية على تبرئة نفسها من الانتماء الى المسيحية بحكم طابعها العلماني، فان النظرة إلى الغرب في بلادنا، والتهم الموجهة الى سياساته، لا تخفي في بعض الأحيان مواقف معادية للدين المسيحي نفسه. هذه مشكلة يدفع ثمنها هذا الدين، وأحياناً أتباعه في منطقتنا كذلك، فيما الغرب يبقى جالساً في مقعد المتفرج.