عندما قال رئيس الجمهورية ميشال عون إنه إذا خيّر ما بين التمديد والفراغ سيختار الفراغ، نزل هذا الموقف ثقيلاً على بعض المستويات السياسية، فكانت أمام خيارين: امّا الدخول في سجال مع الرئيس على خلفية هذا الموقف، وامّا أن تحتويه بمحاولة التخفيف من وطأته، وهكذا كان حيث أدرج كلام عون في خانة الحَضّ للقوى السياسية على تركيز جهدها لإيجاد قانون انتخابي جديد في أقرب وقت ممكن.
مضت أسابيع على موقف الرئيس عون هذا، وبَدا خلال هذه الفترة وكأنّ رئيس الجمهورية صرفَ النظر عنه، في وقت صدرت عن قوى سياسية وازنة تحذيرات من بلوغ هذا الفراغ، ومن المخاطر التي يمكن ان تنتج عنه، ليس فقط على مؤسسات الدولة بل على الكيان اللبناني برمّته.
الرئيس نبيه بري كان أوّل من رَفع الصوت وقال إنّ الفراغ ممنوع، ولا يجوز أبداً أن نصل الى هذا الوضع. وحذّر من أنّ الفراغ المجلسي ليس مزحة، بل هو يعني الانهيار والزوال والخراب. وإن حصل – لا سمح الله – فمعنى ذلك انّ قيامة الدولة لا بل قيامة لبنان من جديد ستكون مستحيلة ومنعدمة.
فالمجلس النيابي أمّ السلطات، وغيابه أو تغييبه لأيّ سبب كان، معناه غياب وإعدام لكل السلطات الاخرى، إذ لا تبقى رئاسة جمهورية ولا تبقى حكومة التي تحكم أصلاً بثقة المجلس وعندما يذهب المجلس تذهب الثقة معه… ربما يريد البعض من خلال هذا الوضع الفارغ أن يعدّ الوصفة الملائمة للذهاب الى مؤتمر تأسيسي، وهذا يعني الذهاب الى الخراب.
وخطورة الفراغ، في رأي السّاعين لتداركه، ليست فقط في أنه يلغي السلطة التشريعية من الوجود بل في أنه يهدّد المثلّث الرئاسي: رئاسة الجمهورية، رئاسة السلطة التشريعية ورئاسة الحكومة بالانهيار من خلال كسر الضلع الشيعي من هذا المثلّث وإزاحة رئيس مجلس النواب.
خصوصاً انّ الدستور لم يلحظ في مندرجاته كيفية سَد الفراغ المجلسي فيما لو حصل، وهذا يعني إن لم يتمّ تدارُك هذا الأمر قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 حزيران المقبل، فتح الباب على المجهول اعتباراً من 21 حزيران.
حتى ما قبل أيام قليلة، كانت بعض المستويات السياسية في جَو انّ رئيس الجمهورية يتهيّب من الفراغ وأنه حاسم بأنه لن يكون هناك فراغ على الاطلاق، وما قاله في شأن الخيار بينه وبين التمديد لمجلس النواب هو من باب الحَضّ لا أكثر وتحفيز القوى السياسية وشَحذ هِممها لصياغة قانون جديد يحتاجه البلد في هذه المرحلة أكثر من ايّ وقت مضى.
إعتُبِر هذا الكلام على أنه ينطوي على بُعد تطميني وإشارة واضحة الى انّ رئيس الجمهورية لم يفقد الامل في إمكان الوصول الى قانون انتخابي جديد، وانتشاله من قلب الانقسام الحاد حوله. وينطوي من جهة ثانية على تأكيد متجدّد من قبل الرئاسة الاولى بأنّ قول الرئيس عون إنه يختار الفراغ على التمديد ليس الّا من قبيل الحَضّ والتحفيز لا أكثر.
الّا انّ ما حَملته وقائع اتصالات ومشاورات الايام الاخيرة عَكس وجود «قراءات» في المحيط الرئاسي، تُقارِب الفراغ المجلسي بشكل هادئ وكأمر طبيعي ولا تتهيّب من حصوله.
هذه «القراءات» بلغت مراجع سياسية ورسمية وحزبية، وزرعت فيها علامات استفهام وكذلك الخشية من ان يكون خلف الأكمة ما خلفها، او بشكل اكثر صراحة ان تكون خلف ذلك «رغبة» لدى بعض المستويات السياسية بالدفع المتعَمّد نحو بلوغ هذا الفراغ!
توقفت المراجع المذكورة عند مضمون تلك «القراءات»، وفيه:
– أولاً، إنّ أصحاب هذه «القراءات» يستغربون حديث البعض عن الفراغ في مجلس النواب، والتضخيم المتعَمّد له.
– إنّ اصحابها يستغربون التخويف من هذا الفراغ، من قبل هذا الطرف او ذاك.
– إنّ اصحابها يعتقدون انّ الفراغ في المجلس النيابي – إن حصل – ليس بالصعوبة التي يتحدثون عنها. فهناك آليّات قانونية ودستورية ترعى هذه الحال، وبالتالي يمكن اتّباع تلك الآليّات، إذ انه لو حصل بعد 20 حزيران المقبل، ففي هذه الحال تصبح الحكومة ملزمة بإجراء انتخابات نيابية في خلال ثلاثة أشهر؟!
هنا يبرز السؤال التالي: كيف ستجري هذه الانتخابات؟ وعلى أيّ نص دستوري او قانوني ارتكز أصحاب هذه «القراءات» ليقولوا انّ الحكومة تصبح ملزمة في حال الفراغ المجلسي بإجراء انتخابات خلال ثلاثة اشهر؟
اولاً: اذا عُدنا للنص، فإنّ الدستور لم يلحظ، في أيّ من مواده، هذه الحال، أي الفراغ المجلسي كالذي يمكن ان يذهب اليه البلد بعد 20 حزيران المقبل.
ثانياً: إذا كان اصحاب هذه «القراءات» مُستندين الى نص المادة 25 من الدستور، فبالتأكيد انهم هنا يقعون في التباس واضح، إذ إنّ أحكام هذه المادة لا تنطبق على حالة الفراغ المجلسي بعد انتهاء ولاية المجلس بلا انتخابات نيابية جديدة كما هو وضعنا حالياً، بل هي مرتبطة حصراً بحالة حلّ المجلس.
وغير ذلك لا يوجد ايّ ذِكر للثلاثة أشهر تحت ايّ باب متعلّق بالمجلس، الّا اذا كان أصحاب القراءات مُستندين الى «رأي سياسي» ومندفعين من خلاله، فهنا الأمر يختلف.
تفسير سياسي
على أنّ اكثر ما يوجِب التوقّف عنده والتعمّق فيه، هو انّ طرفاً سياسياً نافذاً أبلغ أصحاب هذه «القراءات» ما مفاده ؛ «لنفرض أننا دخلنا في الفراغ بعد 20 حزيران، ولنسلّم أنّ الحكومة تكون ملزمة بإجراء انتخابات خلال ثلاثة اشهر بدءاً من 21 حزيران 2017، فما الذي يلزمها ووفق أيّ نص قانوني او دستوري؟
ثم على أيّ أساس ستجري الانتخابات بل على اساس ايّ قانون انتخابي ستجري؟ وامّا الجواب فكان مفاجئاً: «عندها لا حول ولا… تُجرَى الانتخابات ساعتئذ على أساس قانون الستين»؟!
فقيل لصاحب هذا الكلام: «طالما انّ الامور ستصل الى هنا، أي الى قانون الستين، فلماذا هذا اللف والدوران اذاً؟
امام هذا المنحى الذي لا يخشى من الفراغ، وامام الافق الانتخابي المسدود في إمكان الوصول الى قانون جديد، وهو ما أكّدت عليه النقاشات العقيمة التي دارت حوله طيلة الفترة الماضية وحتى الساعات الماضية، كان لا بد من اتخاذ «احتياطات مجلسية» تَداركاً لاحتمال الوقوع في الفراغ، ولهذا ارتُئِي:
– أولاً: إعداد اقتراح قانون معجل مكرر لتمديد الولاية المجلسية الحالية لمدة سنة، وأوكلت المهمة للنائب نقولا فتوش.
– ثانياً: دعوة هيئة مكتب مجلس النواب من قبل الرئيس نبيه بري للتداول في هذا المستجد، وبالتالي تحديد جلسة تشريعية غداً لإقرار الاقتراح المذكور، الّا اذا تملّكت اللجنة الوزارية قدرات سحريّة مَكّنتها من التوصّل خلال الساعات الـ48 المقبلة الى إعداد مسودة لقانون انتخابي توافقي.
– ثالثاً: امّا لماذا تقرّرت الجلسة الخميس، فإنّ الباقي من الولاية المجلسية الحالية، التي تنتهي في 20 حزيران المقبل، هو نحو 68 يوماً. وبالتالي، فإنّ المهَل باتت ضاغطة جداً، إذ ان أمام المجلس نحو اسبوعين فقط لإقرار التمديد عبر قانون معجل، وامّا شهر ايار فيمكن ان يكون شهراً ميتاً تشريعياً في حال عَمد رئيس الجمهورية الرافض للتمديد الى استخدام صلاحيّاته بوقف انعقاد المجلس لمدة شهر. إذ بعد أيار يصبح المجلس فوراً خارج دور الانعقاد العادية.
يبقى انّ التمديد ما كان ليكون، كما يقول مرجع سياسي، لو أمكن الوصول الى قانون، وايضاً لو لم يتم تجاوز المبدأ القانوني القائل بإعمال القانون لا إهماله. وهذا ينطبق على قانون الستين النافذ، والذي رفض التقيّد بأحكامه، وكذلك لم يتم الالتزام بما تضمّنه قرار المجلس الدستوري في العام 2014، والذي أكد عدم جواز الربط بين إجراء الانتخابات وقانون الانتخابات!