IMLebanon

من يستهدف «إعتدال» برّي؟

قد لا يكون اعتدال الرئيس نبيه بري نموذجياً إنما بالمقارنة مع توجهات «حزب الله» التي وضعت البيئة الشيعية في حالة صدامية مع الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية، يبدو انّ الأنظار لا تزال موجّهة إليه. من هنا تأتي القراءة السياسية لبعض قوى 14 آذار للعبوة التي انفجرت أمس الأول في زحلة قبل ساعات من إحياء «حركة أمل» ذكرى الإمام المغيّب موسى الصدر، ما يضعها في إطار الترهيب الأمني-السياسي لجهة توقيتها، وإن لم تستهدف شخصية معينة، ولجهة المنطقة الجغرافية التي زُرعت فيها أي مستديرة الكسارة حيث الممر الإلزامي لحشود «الحركة».

لكن لا بد من الإشارة إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو شخص الرئيس بري نفسه الذي قال فيه نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» جورج عدوان إنّ طريقهم كحزب تتقاطع مع طريق بري، وخصوصاً حول الإيمان بمشروع بناء الدولة اللبنانية.

هذا الكلام ليس صدفة، إذ غالباً ما اختار رئيس مجلس النواب ان يظهر بمظهر المتمايز عن «حزب الله» ويلاقي القوى السياسية الأخرى كالزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري وبعض قوى 14 آذار في نظرتهم إلى ضرورة صون الوحدة الوطنيّة وبناء دولة يعيش فيها الجميع بمساواة.

يمكن ان يختلف البعض مع بري في السياسة، لكن لا يمكن لأحد في لبنان إلا الاعتراف له باعتداله وبأنه صاحب المبادرات والافكار و»تدوير الزوايا»، وبأنه رجل حوار واعتدال ووحدة وطنية ومجترح الحلول والمخارج للأزمات.

هذا ما لا يشعر به كل الأفرقاء وخصوصاً «تيار المستقبل» ومسيحيو 14 آذار حيال «حزب الله»، وربما أتت عبوة طريق الكسارة في وقت يمر فيه لبنان بواحدة من أصعب وأدق المراحل في تاريخه الحديث، ويعيش أزمة غير مسبوقة في مستوى خطورتها وفي حجم تشعباتها وامتداداتها الاقليمية.

فالانقسام بين مكوناته ومجموعاته لم يعد مجرد انقسام سياسي داخلي بل تعداه ليصبح انقساماً مذهبياً على مستوى المنطقة بأسرها إضافة إلى انقسام داخليّ حول قضايا ومسائل أساسية تتصل بالكيان والنظام والدور والعلاقات.

من هنا يبدو انّ العبوة، بصرف النظر عن هوية واضعها، تستهدف «اعتدال» الرئيس بري كي تبقى الدولة ضعيفة، سيادتها وسلطتها وقدرتها عرضة للتآكل، والفراغ يغزو مؤسساتها تباعاً… والاستحقاقات الدستورية والسياسية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى في ظل أجواء ملبّدة وأفق سياسي مسدود.الأمن والاستقرار يتعرضان لخروقات واسعة وتهديدات جدية.

كل ما يفعله الرئيس بري، ترى بعض قوى 14 آذار، انه لا يخدم «حزب الله» على رغم رفض مصادر بري القول إنه يحاول التمايز عن «حزب الله» وله أجندته الخاصة والمتباعدة مع «حزب الله» لأنّ الوحدة الشيعية تبقى حاجة أساسية واستراتيجية وانّ التنسيق كامل بين الطرفين على المستويات كافة وفي العمق.

لكن يبقى السؤال هل ما يريح خصوم «حزب الله» في بري بدأ يزعج «حزب الله»؟ ظاهرياً لا يتجاوز بري الخطوط الحمراء المشتركة التي رسمتها الطائفة الشيعية في مقاربة ملفات سوريا والمقاومة.

لكن رئيس «حركة أمل» يبدو معتدلاً حتى من خلال استعماله كلاماً مدوزناً وغير استفزازي في ما يتعلق بالملف السوري معتبراً انّ الحل هناك ينبع من الداخل وليس بتدخّل خارجي وعسكري في ظل تقاعس عربي عن دور وَحدوي يغلّب الحرب على التسوية السياسية، وهو حرص على التنبيه منذ عام 2011 من انّ تحويل بوصلة الصراع من صراع عربي – إسرائيلي الى صراع عربي- فارسي مشكلة كبرى وتعزّز فرضية الصدام المذهبي السني – الشيعي.

فالرئيس بري كجميع اللبنانيين يبدو قلقاً وخائفاً من الواقع وهو يرى بأمّ العين وبشكل ملموس كيف أصبح لبنان في عين العاصفة السورية وإمكانية تسلل الفتنة الى أرضه وأجوائه ويتعاظم الخطر يوماً بعد يوم نتيجة تدخل «حزب الله» في الحرب الدائرة في سوريا عدا عن وجود حوالى مليون ونصف مليون سوري في لبنان من موالٍ ومعارض للنظام. كل ذلك، يقضّ مضجع بري ويؤرقه.

لا شك انّ الرسالة وصلت إلى الرئيس نبيه بري الذي ليس أمامه سوى التمسّك باعتداله أكثر وأكثر لمواجهة هذه «الفتنة – المؤامرة» لوأدها في مهدها، قبل أن يتصلّب عودها ويتفاقم خطرها ويفوت أوان السيطرة والتغلب عليها.