IMLebanon

من هو «المعلّم» الذي يُخرِّب عين الحلوة؟

أخطرُ ما يحدث في مخيّم عين الحلوة أنّ الأحداث فيه تتعاظم في اتّجاه التصعيد المفتوح، وكذلك في اتّجاه اعتراف القيادات الفلسطينية علناً بأنّ ما يحدث وراءَه أبعادٌ إقليمية، ويتفاعل ضمن منظومة مناخات تتنازع في المنطقة وتقود الأحداث في اتّجاه مخططات مرسومة.

لم يفصِح عزّام الأحمد عن هوية «المعلّم» الدي اتّهمه بأنّه يحرّك الأحداث في المخيّم والذي كان هو عينُه وراء إحداثِ فتنة جرت في طرابلس، وعلى حدود لبنان السورية؟

ولم يفصح الأحمد أيضاً ماذا يعني أنّ أحداث العنف في المخيّم ليست فلسطينية ـ فلسطينية، بل وراءَها أبعادٌ إقليمية؟

هل يعني أنّ الجهات التي تتقاتل الآن في المخيّم هي أبعدُ من حركة «فتح» والمجموعات الإسلامية المتطرّفة؟ وهل يقصد أنّ القصّة أكبر من قدرات لجنة أمنية وقوّة عسكرية مشترَكة تشكّلها فصائل المخيّم لضبطِ الأمن فيه؟

وفي اختصار: ماذا يقصد بالنزاع الإقليمي الذي يعكس نفسَه على ساحة المخيّم؟ ولأيّ غايات؟ وهل إنّ مقاصد هذه الجهات هي تخريب الاستقرار في لبنان وضربُ اللجوء الفلسطيني فيه لمصلحة تحويله جزءاً من الحالة السَلفية الجهادية السنّية التي لا تؤمن بالوطنية الفلسطينية، بل بمشروع بناء «الأمّة الإسلامية»؟.

أم هل إنّ مقاصد هذه الجهات هي إشعال فتنة بين المقاومتين الفلسطينية والإسلامية اللبنانية (حزب الله)، فتتخلّص إسرائيل منهما دفعةً واحدة ويصبح التوطين تحصيل حاصل؟ وهل تقصد هذه الجهات الإقليمية التي قصَدها عزّام من دون أن يسمّيها، تحويلَ اللاجئ الفلسطيني في مخيّمات لبنان إرهابياً إسلامياً، وبالتالي يضيع عليه حقّ العودة بعد أن يفقد هويتَه كلاجئ فلسطيني؟.

ربّما عزّام الأحمد يقصد بـ«المعلّم» محمد دحلان، الرَجل الذي هو محلّ إشكالية حول خياراته وارتباطاته وفعاليته، والذي هو في الوقت نفسه القيادي الفلسطيني المطرود من حركة «فتح» بقرار اتّخَذه الرئيس محمود عباس، والذي استفَزّت زيارة زوجته لمخيّم عين الحلوة عباس لأنّ توقيتَها جاء في التوقيت نفسِه لزيارته بيروت!.

وربّما يقصد شادي المولوي ذو الأجندة العابرة للحدود، وأيضاً المتّصف بأنه بندقية تشغلها أجهزة أمنية مختلفة؟؟

وفي انتظار أن يوضح عزّام من هو «المعلّم»، فإنه يصبح من الجائز، طالما إنّ الجانب الفلسطيني هو من يتحدّث عن مؤامرة إقليمية ولعبةِ تداخُل إقليمي تقف وراءَ أحداث مخيّم عين الحلوة، الإفراجُ عن سيناريوهات مؤامرات كانت قد وصَلت إلى مصادر عليا في بيروت خلال الفترة الماضية، وكلّها كان يتمّ التكتّم عليها حتى لا يُتّهم طارحوها بأنّهم يخفون من ورائها عنصريةً ضد الفلسطينيين في لبنان، الذين هناك اعتراف بأنّهم يعانون من انتقاص في حقوقهم المدنية.

قبل نحو ثلاثة أعوام، وفي مناسبة اشتعال الحرب السورية، وانتقال معاركِها إلى مخيّم اليرموك القريب من دمشق، حذّر أمير إحدى الدول العربية المطلّة على الملف الفلسطيني وتشعّباته الإقليمية والدولية الرئيسَ نبيه بري من أنه على لبنان توَخّي الانتباه من فتنةٍ فلسطينية ـ لبنانية.

وأبعد من هذه الواقعة، يظلّ السيناريو الأخطر الذي وصَل لبيروت من مصادر خارجية، هو ذاك الذي تحدّثَ عن خطة لإشعال فتنة فلسطينية ـ لبنانية تنطلق من مخيّم عين الحلوة وتمتدّ لمحيطه اللبناني، بغية تحقيقِ أهداف استراتيجية خطيرة جداً. واللافت في هذا السيناريو أنه رسَم تفصيلات سيناريو هذه الفتنة وحدّد مناطقَ اشتعالها وغاياتها على غير مستوى.

وفي ما يلي تفاصيله:

أوّلاً، تبدأ الفتنة بتسخين أمني متّصل لفترة داخل مخيّم عين الحلوة، حيث تدور اشتباكات متفرّقة تؤشّر إلى أنّ المخيّم بات بركاناً قيد الانفجار، ولا يمكن ضبطُه، وتؤشّر أيضاً إلى تحوّلِه مرتعاً لحالات سَلفية جهادية، والهدف من ذلك طمسُ صورته كمخيّم للّجوء الفلسطيني لمصلحة إنتاج صورةٍ له بصفته بؤرةً للإرهاب السلفي الفلسطيني والسوري ألخ…

ثانياً، يتمّ خلقُ ظروف في سياق استمرار الاشتباكات المتقطعة والمزمنة تَسمح لتوسّعِ المجموعات المتطرّفة الإسلامية بالتمدد أكثر في المخيّم والسيطرة عليه، وهنا يحين موعد بدءِ الصدام بين المخيّم وجواره اللبناني، والغاية من هذه النقلة هي حصولُ سلسلة أحداث تبدو عشوائية في محيط المخيّم، ولكنّ غايتَها إشعال فتنة بينه وبين جواره الشيعي اللبناني.

ثالثاً، نقطة الدروة في هذه الخطة هي حصول صدام مسلّح واسع بين المخيّم وحزب الله يؤدّي إلى إنهاء المقاومتين الفلسطينية واللبنانية (الحزب)، حيث إنّ صدام الحزب مع المخيّم الفلسطيني وعاصمة شتاته سينتقصُ من شرعيته كمقاومةٍ ضد إسرائيل، كما أنّ وقوع المخيّم تحت سيطرة المتشدّدين الإسلاميين سينزع شرعية مطالبته بحقّ العودة وفق القرار الدولي.

ويلاحَظ أنّ المخطط يراهن على أنّ المخيّم الفلسطيني يقاتل بعضه البعض حينما يكون في وئام مع محيطه، ولكن عندما يواجه خطراً من الخارج فإنّه يتّحد في مواجهته. وعليه فإنّ رهان الخطة يقوم على أنّ المخيّم سيتحوّل بكلّيته وراء المجموعات السَلفية للدفاع عن نفسه ضدّ الهجمة التي تستهدفه من خارجه!

كما أنّ السيناريو يبدو لافتاً لجهة أدقّ التفاصيل التي يحسبها لتأمين نجاح هذه الخطة وإبقائها محصورةً ضمن هدفِها المحدّد وهو توجيه ضربة قاصمة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية وفتحُ بابِ التوطين على مصراعيه. ومن هذه التفاصيل اثنتان لافتتان: الأولى، تفيد أنّ ساحة الاشتباك الفلسطيني ـ الشيعي ستبقى محصورةً في منطقة صيدا ولن تصل إلى بيروت. لماذا؟

لأنّ الخطة ترى أنّه يجب السماح لمخيّم عين الحلوة بالتمدّد إلى محيطه اللبناني (منطقة صيدا) فذلك يعزّز استعارَ الفتنة، وينهي رمزيتَه كمخيّم لجوء فلسطيني في خدمة شعار «حقّ العودة»، كونه عاصمةَ الشتات الفلسطيني، ولكن في المستوى نفسِه يجب عدم السماح لمخيّمات بيروت بالتمدّد إلى محيطها داخل العاصمة، لأنّ ذلك يهدّد بأن يكرّر الفلسطينيون في بيروت تجربة ياسر عرفات فيها، بحيث أصبحت العاصمة منقادة من حيّ الفاكهاني في حيّ طريق الجديدة حيث كان يقيم عرفات خلال فترة النفود الفلسطيني في لبنان.

التفصيل الثاني وهو الأخطر، يلفت إلى أنّ هذا السيناريو لديه خريطة طريق زمنية، تقوم على توقيتين: الأول تمهيدي ويتمّ خلاله فتحُ اشتباكات على فترات زمنية متقاربة تشتعل وتهدأ لتشتعلَ مجدداً، وهدفُها تسخين أجواء المخيّم الأمنية، وإبقاؤه في حالة عدم استقرار وتوجّس من انفجاره. وعلى مدار فترة طويلة، وفي أثنائها، يتمّ تصوير المخيّم بأنه أصبح بؤرةً سلفية جهادية وأنّ القوى غير السلفية لا تستطيع السيطرة على مقاليده.

التوقيت الثاني هو موعد إشعال الفتنة بين المخيّم وجواره ونقلُ المعركة فيه لتصبح معركة فلسطيني ـ لبناني ـ شيعي. ولكنّ بدءَ هده النقلة وهذا الانفجار الكبير، يجب تحديد وقتِه مع اقتراب المسعى الدولي لحلّ أزمة النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي من لحظة التسوية النهائية، التي ضمن بنودِها «حقّ العودة».

هل ضمن أجندة الصيف المقبل الدولية تحريكُ ملفّ التسوية النهائية الفلسطينية الإسرائيلية؟ وهل إنّ مخيّم عين الحلوة يعيش ربعَ الساعة الأخير قبَيل بدءِ انفجار الفتنة ضد قضيتِه التي هي «حق العودة»، وضد استقرار لبنان الذي مدخلُه التوطين؟