تشير المعلومات الواردة من بيت الوسط، الى كباش خفي بين الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، تتضح معالمه شيئا فشيئا، وتبرز بعض تداعياته ونتائجه الى العلن، في سياق الصراع الكبير على الاستئثار بزعامة التيار الازرق ووراثة المسيرة التمثيلية للسنة اللبنانيين داخل الحكم.
هذا الصراع يتمادى أكثر فأكثر وتتسع رقعته يوما بعد يوم في ظل الرفض المعلن للقيادة السعودية عن مواصلة السير بدعم الحريري زعيماً وحيداً ممثلاً لحصتها وتوجهاتها السياسية في لبنان، والانكفاء عن دعم مسيرته السياسية، بل ومحاربته مالياً من خلال «خنق» شركاته العملاقة في السعودية التي شكلت الارضية المالية والمرجعية الاقتصادية لزعامته الموروثة. وتسأل مصادر مواكبة لهذا الخلاف من هو الافضل سعودياً… الحريري ام السنيورة؟
ومن هذا الباب، وفي إطار هذا الصراع المستجد، يجد السنيورة كوة أمل تدغدغ احلامه وطموحاته الدائمة بتبوّء مركز الاصيل في كرسي المرجعية السياسية لسنة لبنان التي شغلها كوكيل لسنوات طوال، وهو يحاول الولوج اليوم الى الحلبة السياسية من جديد ضارباً أهدافاً عدة في حجر واحد.
وفي هذا المناخ بالذات، وكواحدة من افرازات هذا الكباش، بات يحكى اليوم عن أكثرية نيابية مستقبلية يقودها السنيورة هي التي تعرقل انتخاب رئيس للجمهورية انطلاقاً من تمردها على رغبة لدى الحريري بتسهيل ما يمكن تسميته بمبادرة الامين العام لـ«حزب الله» التي تقضي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، مقابل التعاطي بإيجابية مع الطرح القاضي بترؤس الحريري للحكومة القادمة، ولا سيما وان هذه المبادرة، بحسب ما يرى مصدر سياسي، تلقفها رئيس مجلس النواب، وتبناها وأكد عليها، وهو ما يعني انه وافق ضمنيا على معادلتها بكل نتائجها، أي أن بري تبنى الحريري لرئاسة الحكومة والذي هو نتيجة من نتائج ترؤس عون للجمهورية.
اضافة الى ذلك فإن زعيم اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، كان سبق وقال في نصيحة واضحة وجهها لتيار المستقبل وللحريري شخصيا: إذهبوا باتجاه انتخاب أي رئيس حتى ولو كان عون، المهم انقاذ النظام.
من هنا يتبدى واضحاً ان موضوع انتخاب رئيس للجمهورية بات اليوم في ملعب «تيار المستقبل» الذي صار وحده من يتحمل مسؤولية عرقلة الانتخاب بشكل واضح وجلي.
في إزاء هذه العرقلة الناتجة من الصراع الذي يتجلى بوضوح داخل البيت الازرق وجهنا سؤالا لنائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي الذي رأى أنه إذا استمر هذا الصراع وبقي الحريري عاجزاً عن اتخاذ اي قرار في ازاء انتخابات رئاسة الجمهورية فلا يمكن للمكون المسيحي ان يستمر على هذه الوتيرة في التعاطي مع الساحة في ظل عدم وجود رئيس وعدم وجود قانون انتخابات نيابي يصحح التمثيل ويضع حداً لواقع الحقوق الدستورية المسروقة، ومن هذا المنطلق فإن المعركة ستأخذ طابعاً آخر يتناول الواقع الميثاقي والدستوري برمته في البلد.
وفيما يتعلق برأي القيادة السعودية كمرجعية سياسية للمستقبل، حول نقطة انتخاب عون تحديدا، تلفت مصادر سياسية الى ان السعودية هي التي سكتت اولا عن توافق عون – جعجع، وانها هي التي بادرت رسمياً عبر سفيرها في لبنان الى دعوة عون واركانه على العشاء الشهير، وقد شاءت من خلال تلك الدعوة ان تبعث برسالة الى اللبنانيين تعلن فيها ان لا «فيتو» لديها على أحد من المرشحين لرئاسة الجمهورية، اضافة الى ما سُرِّب من كلام قاله وزير الخارجية الفرنسي حول عدم وجود اي «فيتو» على اي من المرشحين للرئاسة اللبنانية لدى أي دولة من الدول المعنية بهذا الشأن.
من هنا يكشف المصدر السياسي ان الموضوع بات متعلقاً بالواقع القائم اليوم داخل تيار المستقبل، ولا سيما من جهة النواب المستولدون بكنف المكون لآخر وهم يدركون ان لا حياة سياسية ولا أمل بتجديد ادوارهم السياسية في حال انتخابات رئاسية وأقر تالياً قانون انتخابات يصحح التمثيل ويعكس صحته، والذي سيمر حتماً باعدام القانون الانتخابي المعمول به حاليا والمعروف بقانون الستين ، وضرورة الاقرار بفكرة النسبية وتطبيقها في اي قانون مقبل تماشياً مع التطور ومحاكاة الحداثة في هذا المجال.
ويحذر المصدر من ان هؤلاء النواب يخوضون اليوم معركة الحفاظ على حضورهم النيابي على حساب مصلحة البلد العليا.إضافة الى ان هناك محاولات وجهود حثيثة أكيدة تبذل في سياق محاربة فكرة إعادة انتاج نظام المساءلة والمحاسبة، لأن المعرقلين لقيام الدولة يريدون الاستمرار في نظام توزيع الغنائم ونظام نهب وسرقة اموال البلد، والامثلة على التعنت والاستمرار بهذا النهج كثيرة وواضحة في ملفات ادارة النفايات والاتصالات والكهرباء إضافة الى قصة الـ 11 مليار دولار الشهيرة التي سرقت من خزينة الدولة جهارا نهارا في عهد ترؤس السنيورة للحكومة قبل نحو عقد من الزمن من دون ان يجرؤ أحد حتى الان على فتح الدفاتر الحقيقية للمحاسبة المالية، علماً ان الجميع يدرك ملياً أن هذا المبلغ تم إخفاؤه من مال الخزينة اللبنانية من دون اي قيود رسمية تبين وجهات صرفه.
ومن هذا المنطلق يرى المصدر ان السنيورة لا بد انه سيستميت في محاولة الوصول مجددا الى زعامة تبقي له الحصانة التي ما تزال تقيه شرور المساءلة، وأنه بناء على هذه القاعدة تراه يستشرش يوما بعد يوم في المعركة المستقبلية الداخلية، وبالتالي فإن قصة الـ 11 مليار دولار وحدها حافزاً للسنيورة لكي يعمل على عرقلة اي فكرة اصلاحية، فكيف والحال ان الاسباب التي تدفعه الى العرقلة كثيرة؟.
بهذا الشأن يعتقد المصدر ان السنيورة باختصار، يُصعِّد اليوم سياسياً، في مسعى منه للوصول الى تسوية تسقط عنه المساءلة والمحاسبة في قضية الـ 11 مليار دولار وفي سواها من الاموال الضائعة في دولة «المال السائب الذي علَّم الناس الحرام».