لم يعد الاعتراف والشعور بالإحباط وخيبة الأمل من الفشل الذريع حتى الآن من إستراتيجية غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هو أمراً مقتصراً على السوريين شعباً، وثواراً، ومعارضةً، أو على الداعمين والمساندين كافة للثورة السورية في المنطقة، دولاً كانوا أم أفراداً، وإنما أصبحنا نسمع أصواتاً من داخل البيت الأميركي من تعبر بكل صراحة ووضوح عن مدى وحقيقة ذلك الفشل الذريع الذي ترتكبه الولايات المتحدة من خلال هذه الإستراتيجية في حق الشعب السوري.
وكان أوضح تلك التصريحات ما صرح به في الأسبوع الماضي روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سورية، ومنسق ومبعوث واشنطن الخاص إلى فصائل المعارضة السورية، وأحد أهم المعنيين والخبراء بمتابعة الأزمة السورية منذ بدايتها، في معرض شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي بقوله: «لقد بتنا نقوم بدور القوات الجوية للأسد، فضربات التحالف الدولي في سورية تضر وتضعف المعارضة المعتدلة، وطالما استمر نظام بشار الأسد في حكم سورية فمن الصعب هزيمة تنظيم دولة داعش»، ومن قبله صرح وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بأن الأسد يستفيد من غاراتنا ضد «داعش»، ومما يزيد ويعمق من حجم خيبة الأمل وعدم الشعور بالتفاؤل هو استمرار التناقض والتخبط والارتباط من الرئيس الأميركي وتبدل قناعاته وتغيرها، إذ تراوحت مع بداية غارات التحالف إلى رفع شعار أن الأولوية الآن للولايات المتحدة هي إسقاط «داعش» وليس إسقاط نظام الأسد، وانتهاءً في الأيام الماضية بإعلانه مواقف تُعتبر «مختلفة» لهجةً ومضموناً، بعد أن طلب من فريقه للأمن القومي مراجعة أخرى للسياسة الأميركية تجاه سورية، «بعدما أدرك واقتنع بشكل أولي أولياً باستحالة إنزال هزيمة بتنظيم «داعش» من دون تنحية بشار الأسد، وأن مصير الاثنين قد أصبح متلازماً، وليست هناك أية ضمانات في أن يتوصل مستشاروه إلى نتيجة مماثلة».
فصحيفة «الحياة» قد نشرت أخيراً تقريراً مطولاً من خلال مصادرها عن وجود خلافات جذرية بين فريقي الرئيس والخارجية الأميركية عن دور الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، إذ يفضل الأول خفض دورها، ويرى الثاني ضرورة التصعيد بشكل سريع على الأرض، وليس ثمة ما يبعث للتفاؤل، ولاسيما أن الإدارة الأميركية قد مرت بظروف مشابهة من حيث التباين والاختلاف بين صناع القرار في التعاطي مع الأزمة السورية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كون عمليات التحالف ضد «داعش» قد بدأت منذ انطلاقتها بفرض الأولويات الأميركية المرتبطة بالبعد الأمنيّ لها على أقطاب التحالف، سواءً أكانوا منخرطين فيه فعليا أم خارجه، وهي القضاء على الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والاستمرار في محاولات التفاهم والتهادن مع إيران.
فالرئيس الأميركي ومثله الإيراني لن يجازفا في تفويت الفرصة السانحة التي قد يندر تكررها بشأن المفاوضات النووية، وعدم تعريض المفاوضات لأية انتكاسات، وعند النظر إلى النتائج الفعلية المتحققة من إستراتيجية غارات التحالف حتى الآن، نجد أنها ليست غير فعالة فحسب وإنما هي غارات ذات نتائج عكسية، فأكبر المستفيدين منها هو نظام الأسد الذي نجح وبمنطق أن التحالف كفيل بالقضاء على «داعش»، وبمبدأ أن لكلٍّ عدوه، في استغلال الغارات الأميركية؛ للإجهاز على المعارضة، وتكثيف عدوانه على المدنيين العزل، عبر البراميل المتفجرة والصواريخ، ضد أهداف مدنية في حلب و في أماكن أخرى؛ توخياً لتغيير مجريات المعارك على الأرض مع المعارضة لمصلحته، وزيادة ضرباته الجوية ضد معاقل الجيش الحر وفصائل أخرى للمعارضة، وهو ما أدى إلى تقدم النظام واستعادته مواقع إستراتيجية كان قد فقدها سابقاً للقضاء على جميع فرص التسوية السياسية، في وقت تلتزم الولايات المتحدة الصمت عن كل تلك الجرائم والمعاناة التي يعاني منها الأهالي.
أما أكبر الخاسرين والمتضررين فهو الجيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة، ففي ظل فك وكسر التحالفات الميدانية والعسكرية بين المعارضة السورية المعتدلة والتنظيمات المتطرفة، وهو أمر ضروري على المدى الاستراتيجي البعيد، إلا أن حدوث هذا الانكسار في التحالفات الآن كانت له نتائج عسكرية قد لا تقوى المعارضة المعتدلة على احتمالها في الفترة الراهنة، كان من أبرزها فقدان الدعم المالي والعسكري، في وقت تستمر الولايات المتحدة الأميركية في تلكؤها بتنفيذ وعودها بدعم وتسليح المعارضة المعتدلة، وتحتفظ فقط بوعد «التدريب على مدى ثلاث سنوات»، بل وتركتها عرضة للتآكل والتلاشي، والاتهام لها بالعمالة، فهي بدلاً من أن تقدم لها دعماً استباقياً ودفاعياً كما حصل لجبهة ثوار سورية التي تم طردها على أيدي النصرة من معاقلها بريف إدلب، نراها تقوم بعْدُ بردٍ متأخر جداً بعد أن لحقت أضرار فادحة بجبهة ثوار سورية، وهو ما أدى إلى انشقاق العشرات من مقاتلي ثوار سورية وانضمامهم إلى التنظيمات المتطرفة، كالنصرة بسبب فشل الولايات المتحدة في تقديم الدعم اللازم للفصائل المحسوبة على الجيش السوري الحر، لذلك فإن استمرار إستراتيجية التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حربها على «داعش» طالما أنها اقتصرت على المسرح العسكري فإنها لن تثمر إلا في إطالة حرب الاستنزاف أعواماً عدة وتفاقم الأوضاع، ولا حل يلوح في الأفق للأزمة السورية إلا بتغيير الموازين العسكرية على الأرض، كي يكون بالإمكان استئناف العمل على حلول سياسية، وإزاحة الأسد ونظامه عبر سلطة حكم انتقالية.
وأما الحديث عن عمليات وقف إطلاق نار، فقد ثبت طوال فترة الصراع أن النظام السوري هو أكبر المستفيدين منها في حال كون القوى العسكرية غير متكافئة نسبياً، فبعد كل وقفٍ لإطلاق النار، كان النظام قادراً على استعادة المناطق التي خسرها أمام المعارضة في مناطق وقف القتال، وحمص خير مثال، وهو ما يجعل المعارضة المعتدلة هي الخاسر الأكيد في حال وقف إطلاق النار، وهو ما يفسر ترحيب النظام بمبادرة دي ميستورا.