Site icon IMLebanon

من هو «أم الصبي» وبي الكل؟

 

تحضرنا اليوم خاتمة كلمة فخامة رئيس البلاد عندما تحدث عن أزمة تأليف الحكومة قائلا: إنها لم تعد أزمة صغيرة، لأنها كبرت، وأعقب ذلك ايراده لحكاية سليمان الحكيم مع أم الصبي وكيف أنه اقترح اقتسام الصبي نصفين لمعرفة من هي أمه الحقيقية، فكان له ما أراد عندما تنازلت تلك الأم عن نصفها المقترح وتركته لمدعية أمومته. نحن اليوم، قال فخامته، نريد أن نعرف من هي أم لبنان الحقيقية؟ ونحن كذلك يا فخامة الرئيس.

لقد سبق لفخامته أن صرح بأن الحقيقة بعيدة عن الزعم الطارىء الذي أطلقه حزب الله، بأن الكتلة السنية السداسية يمكن أن تتشكل منها كتلة نيابية مستقلة تطالب بحق مزعوم ينسفه انتماء هذا السداسي المتسنّن إلى ثلاثة مراجع يتقاسمها حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، فضلا عن انضواء أفرادها جميعا في أحضان النظام السوري. وكان هذا الموقف الرئاسي منطلقا من كونه «أبو الكل» ومن كونه حكماً نزيهاً يطلق صفارته الإعتراضية على كل «فاول» يرتكبه أي من اللاعبين السياسيين في الملعب اللبناني الذين يحاولون توسيع مساحاته لإلحاقها بملاعب الآخرين الممتدة إلى العراق وسوريا وعدد آخر من البلدان العربية القريبة والبعيدة.

ما حصل عقب هذا التصريح، أن حزب الله قد قامت قيامته معتبرا من خلال تصاريح مختلفة صدرت عن سماحة السيد وأعوانه ومساعديه، معتبرا أن خطيئة بحق التحالف الحاصل مع الرئيس عون وتياره قد ارتكبت، وارتفعت جملة من الأصابع التحذيرية متأهبة لاتخاذ جملة من القرارات غير المريحة بحق التيار الذي تجرأ رئيسه ورئيس البلاد على قول الحقيقة واتخاذ الموقف الدستوري السليم، ولكن الأمر لم يستمر طويلا بهذا الصدد حيث عاد فخامته مفسّرا أقواله المنصفة أساسا بحق موقف الرئيس المكلف من التركيبة السداسية ذاهبا إلى أنه قصد بخبرية أم الصبي، فريقي النزاع: الرئيس سعد الحريري والتركيبة السنية السداسية، موجباً بذلك ما يشبه التأكيد بأن هذه العقدة تشمل المحيط السني وحده وأن على فريقي النزاع التفاهم حول خلافهما، وقد عين فخامته الوزير جبران باسيل (وزير الخارجية الحالي ووزير القصر الجمهوري في الوزارة المقبلة والمرشح الأقوى لرئاسة الجمهورية عند انتهاء الولاية الرئاسية) ساعيا للخير وإيجاد الحلول المناسبة لخلاف قائم ما بين النواب السنة من خلال اتصالاته مع جميع الفرقاء، والوزير باسيل الناشط الدائم حيثما هناك فرص وفسحة من الاتصالات يقوم بها بتكليف وبدون تكليف، مع القادة المحليين، واتجه في اتصالاته واقتراحاته إلى رفض قاطع بأن يكون أبو الكل، وأم الصبي (أي فخامة الرئيس والتيار الوطني الحر) هما الجهة المعنية بتقديم أي تنازل يطاول الأحد عشر وزيرا الذين تكونت منهم الحصيلة الرئاسية في الحكومة، وجرى التصويب في طلب التضحية والتنازل على حصة الرئيس المكلف، بمؤازرة تامة من حزب الله صاحب الطرح الطارىء الذي قلب طاولة التأليف رأساً على عقد، وتحول الموقف المؤازر لموقف الرئيس المكلف إلى موقف محايد، وتحول تصريح فخامته السابق بأنه يريد إلى جانبه رئيساً قوياً للحكومة وأصبحنا معه أمام منطق مستجد يقول: يحق لرئيس الجمهورية القوي أن يكون له في الحكومة أحد عشر وزيرا غير قابلة للمس ويقتضي بالتالي أن تتم التسوية على حساب رئيس الحكومة المكلف ليبقى من حصته في الوزارة وزيران فقط لا غير، وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل بذلك يكون رئيس وزارة قوياً لا تهب عليه العواصف ولا يضرّ به مزيد من مواقف التسامح والتراجع والتضحية. في الواقع الملموس أن رئيس الحكومة المكلف، يتخذ في الظروف القائمة مواقفه الوطنية والسياسية من منطلق من يمثل على الصعيد الوطني والإسلامي، وهو اليوم يتمتع بموقع صلب وجامد ومتميز على المستوى الشعبي العام، فبالإضافة إلى التضحيات والممارسات السمحة التي تجلت في ممارساته المختلفة، هو اليوم يعتبر ونعتبر معه أنه قد قدم لهذا الوطن ما يكفي من الأعمال والتضحيات الإيجابية التي أثبت فيها غيرته وطموحه إلى انقاذ هذا الوطن من سوء أوضاعه وأحواله على كافة الصعد والميادين، وخاصة منها على الصعيد الإقتصادي والمالي المتفاقم والمتدهور، ولنا في ما انجزه قولا وفعلا في مؤتمر سيدر، خير مؤشر ودليل، وأمل في مباشرة سريعة لعمليات الإنقاذ والخلاص التي ينتظرها الوطن بكل فئاته وجهاته، في الوقت الذي نجد فيه أن جهات عديدة، تتذاكى بالقاء مسؤوليات التدهور العام في هذا البلد، على الرئيس المكلف،(كذا)، وتعمد إلى إطلاق جوقاتها المتهجمة عليه وعلى نهجه وعلى موقفه الصامد من قضية تشكيل الحكومة، بل وهي تتخطى كل الحقائق واللياقات لتتابع شهيد الشهداء رفيق الحريري إلى قبره، المنتظِرْ لنتائج المحاكمات الدولية وحكمها على الجهة التي قررت وتلك التي نفذت عملية الإغتيال في جريمة العصر النكراء.

وينسى البعض أن هذا البلد يعيش بحكم دويلة تمسك فيه بكل المقاليد السلطوية ومعظم االمواقع الإدارية وتطمح إلى مزيد واسع التطلعات والطموحات، فضلا عن أن هناك من نسي أفضال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي انتشلت البلاد من خراب الحرب الأهلية ودمارها، دون أن نكون ملزمين بتعداد الإنجازات الكبرى التي حققها لهذا الوطن على صعيد الإنماء والإعمار ووقف انهيار الوضع الاقتصادي والعملة اللبنانية وما حققه بشكل خاص من انجازات لصالح المقاومة الإسلامية التي كانت في عهده ذات آفاق عمل لبنانية تحريرية للأرض المحتلة من الوطن اللبناني المنكوب دونما امتدادات مسلحة مبالغ فيها في شتى أنحاء الداخل اللبناني، ودونما امتدادات مقتحمة ومتدخلة في شؤون وشجون أكثر من دولة عربية، وذات هوية أطلقتها لاحقا للعنان وللإعلان وجاهرت بانتمائها الوثيق إلى إيران ومؤسساتها المخابراتية المعروفة، ومنذ ان اغتيل وانتقل إلى عالم الشهادة، بدأت أوضاع البلاد بالتراجع والتآكل والتدهور إلى هذه الحدود التي يتم افتعال أسبابها من قبل من يتهجمون في هذه الأيام على ما يسمونه «الحريرية السياسية».

ونستخلص من الأجواء العامة، أن الرئيس المكلف ثابت على مواقفه الوطنية والدستورية والميثاقية خاصة فيما تعلق بتوقيف عجلة تأليف الحكومة من قبل حزب الله في وقت متزامن مع جملة من الأحداث الإقليمية (منها، على سبيل المثال توقيف مماثل الوجوه والأعتاب لتشكيل الحكومة العراقية) التي تثبت أن ما يحصل إنما هو من ضمن ردات الفعل الخارجية على نتائج الصراع الإيراني – الأميركي، وعلى المواقف الأميركية الإقتصادية والمالية المتخذة بحق حزب الله، ومع ذلك… تنبش القبور اليوم، فلا بأس ان أطلت منها هامة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بكل صفائها الوطني وملامحها الإنسانية ذات الأفضال المنتشرة حتى الآن على مدى الوطن اللبناني كله، ولتكون ذكراه دائمة الوجود، منارة نهتدي بها جميعا ونستدل على الطريق القويم.