للسنة الثانية على التوالي، احتفل لبنان بعيد ما مارون في غياب رئيس الجمهورية، صاحب المركز الماروني الأول في البلاد، بعدما فشل النواب عشية العيد في انتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان، رغم كل الحراك الرئاسي الذي سبق الجلسة الانتخابية وشحنها بأجواء تفاؤلية، في جولة كرست فشل تسوية باريس في قلب مفهوم المقاطعة، وعجز ترشيح معراب عن تغيير المشهد او حمل حلفائها على السير بمرشحها الجديد.
مشهد دفع ببكركي الى الدخول على الخط لايجاد حل للازمة من جديد، على حدّ قول مصادر مقربة من بكركي، في ظل هواجسها المتزايدة من «الحملة» ضد المسيحيين في الدولة والتي بدأت تنتقل بين الوزارات في استهداف واضح لم تنجح المراجعات والمتابعات في الحد من مفاعيله، كنتيجة مباشرة للانحلال الضارب في الدولة ولغياب رئيس الجمهورية الضامن للدستور وللتوازن الوطني.
أمر دفع بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى «جس نبض» ممثلي الأقطاب الاربعة الذين يزورونه حول امكانية اعادة جمعهم في سبيل إيجاد مخرج للرئاسة، بعد المسار الخطير الذي بات يهدد الوجود والدور المسيحيين في لبنان، في حرب الغاء تعيد الى الاذهان فترة التهميش والاحباط الماضيين، حيث تكشف المصادر ان مداولات جرت لجمع الجنرال بالبيك في بكركي أو في أي مكان آخر، على ألا يخرجا إلا بعد أن يقنع أحدهما الآخر بالإنسحاب له، معتبرة ان استمرار التخبط الحاصل سيكون مدخلاً لفرض رئيس من خارج الاقوياء ودون التفاهم معهم.
«التسليم» البطريركي بالعجز عن اخراج الاستحقاق «الماروني» من عنق الزجاجة الرئاسية، دفع ببكركي لتوجيه اهتمامها نحو وقف الاختلال الطائفي داخل الادارات، بعد سلسلة التشكيلات التي اجريت في الوزارات المحسوبة على رئيس مجلس النواب والتي جاءت على حساب المسيحيين، رغم بعض التبريرات بأنها رسائل سياسية موجهة الى أطراف سياسية وليس لها اي ابعاد طائفية.
خطوة اتت بالتزامن مع همس في الكواليس، عن اثارة مفتي احدى المناطق لدى مرجعيته مسألة ضرورة اعادة هيكلة الوظائف العليا، متسائلا عن كيفية اسناد الوظائف الرئيسية الثلاث، قيادة الجيش، حاكمية المصرف المركزي، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى، الى شخصيات مارونية، رغم ان الجواب كان حاسما بضرورة اقفال الملف لان فتحه حاليا يعني تفجير الوضع سياسياً وطائفياً.
وفي السياق، اوضحت مصادر معنية بالملف الى ان اللقاء الوزاري الموسّع على مستوى الوزراء المسيحيين في الحكومة واعضاء اللجنة النيابية المُكلّفة من بكركي ومؤسسات معنية، الذي سيعقد الجمعة في بكركي، للبحث في وضع الحضور المسيحي في الوزارات والمؤسسات العامة ولا سيما بالنسبة الى الغبن الحاصل فيها، وتحديداً في المواقع الإدارية من الفئتين الثانية والثالثة، ليس للتصويب نحو وضع طائفة مُعيّنة او استهداف وزير مُحدد وانما «صرخة» لتصحيح الخلل في الادارات العامة والحفاظ على التوازن، مستدركة بان الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر «أخطآ» في تصويب الموضوع وصوّراه على انهما المستهدفان من ورائه، لكن ما حصل في وزارة المال مع نقل الموظفة باسمة انطونيوس وارقام وزارة الاشغال المتعلّقة بالمشاريع الانمائية والتي تُراعي مبدأ «الانماء المتوازن» دليل الى «الواقع المُزري» للحضور المسيحي في الدولة،لافتة الى ان مجلس شورى الدولة اصدر اكثر من 7 مطالعات حول مراكز مهمة في الدولة عُيّن فيها موظفون بطريقة «غير شرعية» بدلاً من الموظفين الاصليين، دون ان يستجيب الوزراء المعنيون بهذه المراكز مع قرارات المجلس بإعادة الموظفين الاصليين الى مراكزهم، مشددة على اهمية تطبيق القوانين والالتزام بها والا فان رقعة «المزرعة» الى اتّساع على حساب دولة القانون.
واكدت المصادر ان هدف الاجتماع «إخراج الموضوع من مُستنقع «المتاريس الطائفية» ووضعه في سياق تطبيق القوانين والالتزام بها، والعودة الى الميثاقية والمشاركة التي بُني لبنان على اساسها، مشيرة الى ان الاجتماع سيتضمّن عرض فيلم وثائقي عن واقع الحضور المسيحي في الادارات العامة في السنوات العشر الاخيرة وحتى اليوم، كما ستتم مناقشة الوزراء المشاركين، واستطلاع رأيهم، عمّا هو حاصل في المؤسسات العامة وفي الوزارات من تهميش وغُبن للمسيحيين، كاشفة عن ان بكركي ستطلب من المشاركين ضرورة اثارة ملف الحضور المسيحي في الادارات العامة كبند اساسي على طاولة الحوار الوطني في جلسته المُقررة في 17 الجاري في عين التينة لتصحيح مسار «التوظيف» في القطاع العام انطلاقاً من تعزيز دور مجلس الخدمة المدنية في اجراء مباراة الدخول الى الوظيفة العامة واعتماد مبدأ الكفاءة بدلاً من المحسوبيات الطائفية والحزبية.
في الانتظار معلومات عن مجيء موفد فرنسي إلى بيروت في وقت قريب، لجمع مواقف الأفرقاء، ونقل رسالة إلى المراجع السياسية، وخصوصا المسيحية، للتقارب في وجهات النظر حول أقصر الطرق إلى إتمام الانتخاب الرئاسي، في «موجة» اتصالات جديدة تجريها الرئاسة الفرنسية على خطوط واشنطن والرياض وطهران ، بعد خروج الوزير فابيوس. اما في مواقف الداخل فترقب لكلمتين مهمتين، الأحد للرئيس سعد الحريري، والثلاثاء للسيد حسن نصرالله، تتبعهما جولة جديدة من الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، حول استمرارية الاستقرار والبحث عن الحلول.
ففي عيد مار مارون، موقف ماروني ثابت في المضي حتى النهاية في العيش المشترك في لبنان، وأيضا في المنطقة، وسط غياب الرئاسة الأولى، ومرشحاها الأساسيان العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، فيما حضر المرشح الثالث المفترض هنري حلو. وحولها، كانت تدور التغريدات ما بين معراب والرابية والحلفاء والأصدقاء، من دون أجوبة من المعنيين عن السؤال الكبير، هل يتكرر المشهد الناقص في السنة المقبلة أيضا، أم ان القيادات اللبنانية عموما والمارونية خصوصا ستعي مخاطر الاستمرار في لعبة الفراغ القاتل؟