استعراض التفجع الدولي على ما جرى في مدينة نيس الفرنسية والمباراة في رثاء الضحايا وتقديم أحرّ مشاعر العزاء والمؤاساة بهم، كل ذلك لا يقدم ولا يؤخر في ما حصل، وما يرجح أن يحصل لاحقاً داخل فرنسا وخارجها. كما لن يقود الى حذف ارهابي واحد من صفوف الارهابيين، سواء أكانوا مجموعات منظمة أم مجرد ذئاب منفردة! ولا تزال فرنسا تغلط ومعها الكثير من الدول المنقادة في العالم، في أسلوب تخطيط استراتيجية فعالة لاستئصال الارهاب. وخير دليل على عدم فهم التكوين الفكري والنفسي والجيني للارهاب التكفيري هو ما أعلنه رئيس وزراء فرنسا ووزير داخليته عن العزم بتعزيز قوى الشرطة والأمن في الشوارع والمدن، وكأن ذلك سيكون رادعاً لأي انتحاري عازم على تفجير نفسه، أو قيادة شاحنته لقتل أكبر مجموعة من الناس الذين أسميهم الأبرياء، أو الضحايا، أو الشهداء.
لم يعد الرأي العام العالمي يحتاج الى بيان يعلن المسؤولية عن ارتكاب المجازر، ذلك أن هذا الأسلوب الهمجي الضارب في وحشيته ضد الوجود الانساني، هو في حد ذاته حدث موقّع سينييه بالفرنسية، ويدل على صاحبه ومرتكبه. وأشهر ماركة في عالم الارهاب الحديث هي الماركة الداعشية. وما من أدنى شك في أن المخطط والموجه والمنفذ هو صاحب هوية داعشية، ولكن استمرار التمدد الارهابي في العالم يحمل على هذا التساؤل المحير: كيف يستمر الارهاب في الانتشار مع ما تعلنه أميركا وحلفاؤها وحتى خصومها من شن حرب عالمية على داعش منذ سنوات دون التمكن من إنهائها وتصفيتها؟! وما من عاقل على وجه هذا الكوكب يصدق أن أميركا وحلفاءها الاقليميين في المنطقة عاجزون فعلاً عن تصفية الارهاب بكل درجاته وهوياته، لو أرادوا فعلاً ذلك. وليس خافياً أن أميركا حلفاءها يربطون مصير الارهاب وتصفيته بحسابات سياسية أخرى، ويستخدمون هذا الارهاب ليقوم بدوره في منطقة محددة ولا يتخطاها، ولكن هذا الارهاب يتمرد ويضرب في الخواصر الغربية الرخوة، لأن طبيعته هي من طبيعة العقرب: اللدغ والسم!
بهذا المعنى تحولت داعش وأخواتها الى واجهة لاخفاء الفاعل الحقيقي. وما دامت أميركا تمزج السياسة بالارهاب والسلام بالسم، فإن بيان اعلان المسؤولية عن العمليات الارهابية في الماضي والحاضر سيحمل توقيع أميركا وحلفائها، حتى لو صدر البيان بتوقيع داعش!