Site icon IMLebanon

من هو «الرئيس القوي» الواقف خلف ستارة بكركي؟

اختلفت الظروف التي تحكّمت بالمسار السياسي في لبنان في زمن «الطائف» بين عهد الكاردينال نصرالله صفير، حيث كانت القيادات المسيحية إما منفية او مهجّرة قسراً أو في السجن او تحاول من خلال انخراطها في عملية بناء الدولة وقف الجموح الخطير في عملية إدارة الشأن العام، وبين عهد الكاردينال بشارة الراعي الذي كان من المفترض ان يكون اكثر ملاءمة نتيجة عودة كل القيادات، لاسيما المسيحية منها، الى ساحة الميدان السياسي.

لكن لم يطل الزمن حتى تبيّن ان المشكلة ليست بوجود أو عدم وجود القيادات المسيحية، إنما بالعقلية الاقصائية التي تحكّمت بالقابضين على مقاليد السلطة والتي تنحو إلى نهج الاستتباع والاستيلاد على طريقة «الاستنساخ»، بما أوصل الأمور إلى «مأزق شديد الصعوبة يحتاج الى انقلاب على الأداء السائد وليس انقلابا على الطائف، كما يحاول فرقاء تصوير الامر كلما طرحت مسألة اساسية تمس جوهر الدستور والميثاق المبني على الشراكة الحقيقية»، على حد تعبير مرجع مسيحي.

ولأن «الشراكة لا تستقيم إذا كانت منقوصة، وهي لا تعود شراكة إنما عملية فرض»، صار لزاماً «البحث الجدي عن سلوك يحصّن الدستور والطائف ولا يشعر اي مكون بالقهر والتهميش»، لذلك اضطر البطريرك الراعي «للدخول مباشرة على خط إعادة الاعتبار للمكون المسيحي مبادراً ومنبهاً ورافعاً الصوت، لعل الشريك في الوطن ينتبه الى ما يمعن في سلوكه من نهج حكم ينحو الى منطق ثنائيات وثلاثيات ورباعيات على حساب المكون المسيحي».

ويقول المرجع إن «البطريرك الراعي الذي صار كل فريق يعتبر أنه الناطق باسمه وينفّذ توجيهاته، تبيّن انه يشكّل الضمير المسيحي والوطني اللبناني، أو كما اطلق عليه احد كاردينالات روما «صوت الضمير». والمطلوب من سيد بكركي ان يبقى هذا الصوت على اساس ان تبقى الكنيسة قائمة كمؤسسة ايا كان من يجلس على كرسي انطاكية وسائر المشرق، وعليها ان تجمع العنصر الشاب لان نسبته في لبنان كبيرة، والقوى السياسية تسرقه وفق ايديولوجية موجّهة، بينما الكنيسة تعطيه فكرا حرا وناقدا بحيث لا يسيرون كقطعان ينقلون من ضفة الى ضفة كما يحصل مع جمهور آخر».

ويسجّل المرجع للبطريرك الراعي «اهتمامه الشديد بالمسيحية المشرقية وعدم أخذه أي موقف سياسي ضيق، بدليل زياراته المتكررة إلى سوريا والعراق، والتي تثبت التطورات على مستوى المنطقة كم كانت صائبة.

الى اي مدى سيكون صوت البطريرك الراعي مسموعا في لبنان؟ يجيب المرجع «هذا أمر مهم جدا، لان الكنيسة لا تملك ما تملكه الاحزاب والقوى السياسية من تأثير كبير على المجتمع. وطالما أن السياسيين، والامر ليس محصورا بالمسيحيين، يرفضون التنازل لصالح المصلحة العامة، فالشغور في موقع الرئاسة الاولى اكبر جرح وطني للراعي. وهو ركّز خطابه السياسي اللبناني على اعتبار ان لبنان سيحتفل في العام 2020 بالمئوية الاولى لدولة لبنان الكبير، واكثر ما يؤلمه رؤية زعماء الموارنة غير مدركين لأهمية تكوين الكيان اللبناني الذي ناضلوا لأجله على مدى الاستبداد العثماني. كما لا يوجد الشريك المسلم الذي يفهم كنه التركيبة اللبنانية بعيدا عن منطق الهيمنة على كل شيء، لا بل القيادات المارونية أخذها اليأس من الشريك المسلم مجددا الى تفكير خطير جدا هو الفيدرالية، والبعض يهمس بالعودة الى لبنان الصغير اي المتصرفية، وكأنهم لم يتعلموا من التاريخ ولم يقرأوا الارشادين الرسوليين للبابا القديس يوحنا بولس الثاني والبابا المستقيل بينيديكتوس السادس عشر».

ويرى المرجع «ان البطريرك الراعي يعتبر نفسه حاليا الوحيد المؤتمن على لبنان الواحد بحدوده المعترف بها، ويجري الاتصالات مباشرة مع ممثلي الدول للحفاظ على هذا الوطن كنموذج لان انهيار هذا النموذج يعني فشل اي تجربة حوار اسلامي ـ مسيحي في العالم، وهنا تكمن الخطورة. لذلك يحرص الراعي على ان يكون اسلوبه هو دفاع عن الاسلام الحقيقي لان الغرب بتأثير اسرائيلي يصوّر ان الاسلام هو مصدر الارهاب او مرادفا له».

ويعتبر المرجع «ان قوة البطريرك الراعي انه لا يدخل في تفاصيل الصراع السياسي الحاد في لبنان، برغم محاولاته الاستكشافية والتذكيرية» من هنا، يضيف، «تحدث البطريرك، في عيد مار مارون، عن الرئيس القوي وابن بيئته.. لكنه حدد مواصفاته بكلمة واحدة هي: ليس تصادمياً». أي أن المطلوب، بحسب المرجع، أن يكون رئيس الجمهورية قادرا على تمثيل المسيحيين والمسلمين معاً، وأن يعرف مخاطبة الخارج لا منساقاَ في محور على حساب آخر، لأن رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على سدة الرئاسة اللبنانية اما كانوا في محور على حساب آخر واما محايدين تماما، وهنا الحياد ليس بالمعنى الايجابي انما السلبي.

يقول المرجع إنه «من هنا قدرة البطريرك على الخروج من الاصطفاف الراهن والبحث عن المواصفات التي طرحها لرئيس الجمهورية والموجودة في الطاقات المارونية التي هي خلف الستار، والتي يستعين بها سياسيا وفكريا وايديولوجيا كلما كان هناك ملف يحتاج الى صياغة ورقة حوله، ويستطيع أن يطرح عددا من الاسماء التي لها وقعها وحضورها وتأثيرها الداخلي والخارجي رغم احجامها عن الظهور وهي المجرّبة في مواقع شتى».

يستفيض المرجع في شرح جملة من الافكار ليقول «لا يمكن اتهام الكاردينال الراعي انه ضد الرئيس القوي، لانه شخصياً أعطى نموذجا من الاستقلال والصبر، وأرسى قاعدة في التعاطي وهي انه على تناغم تام مع الماروني في سدة الرئاسة وفي أي موقع مسؤولية مدنية او غير مدنية، لانه غالبا ما عرف ان هناك صراعا ولو خفي بين سدة الرئاسة ومواقع حساسة اخرى وكرسي بكركي..».