IMLebanon

مَن هو المستهدَف من «توالُد» الأزمات بعد تصنيفها؟

 

تُدقق مراجع سياسية وديبلوماسية في الأسباب التي قادت الى تكاثر الأزمات منذ تكليف الرئيس سعد الحريري مهمة تأليف الحكومة قياساً على حجم انعكاساتها على المهمة وصورة العهد معاً. فباستثناء الجديد حول أزمة الحدود البرّية والبحريّة لم يكن مناسِباً فتح مزيد من الملفات في توقيتها وشكلها ومضمونها ولا في طريقة معالجتها. فما الذي يقود الى هذه القراءة؟

يُجمع المراقبون على أنّ توالد الأزمات مرحلة توليد الحكومة العتيدة ألقى بظلاله على كل ما يجري على الساحة الداخلية وأساء الى صورة العهد ورموزه. وفي الوقت الذي يعتقد البعض أنّ من هذه الازمات ما يستهدف رئيس الجمهورية وفريقه المحيط به مباشرة ظهر أنّ هناك أزماتٍ أُخرى تُسيء الى رئيس الحكومة.

تزامناً ينتظر هؤلاء المراقبون نتيجة الطعون النيابية أمام المجلس الدستوري لإلقاء الضوء قريباً على ما رافق الإنتخابات النيابية من ادّعاءاتٍ بوجود ارتكاباتٍ خطيرة في بعض الدوائر الإنتخابية ( حسب مقدّمي الطعون) والتي تُشتمّ منها رائحة التزوير والتلاعب بالنتائج عدا عن الشكاوى من صرف النفوذ وشراء الأصوات واستخدام البعض البيئة الداعمة والحاضنة لهم لتكوين بعض الكتل النيابية الى جانب أُخرى وُلدت على أنقاض تحالفاتٍ هجينة لم تكن طبيعيّة في جوانب كثيرة منها.

ويتوقّف المراقبون أنفسُهم عند الملفات التي فُتِحت والأسباب التي دفعت الى بروزها، فصنّفتها بين «ما لم يكن في اليد حيلة» كتلك التي قادت اليها أوضاع المنطقة وتردّدات الأزمة السورية تحديداً من جهة وتلك التي قادت اليها وأنتجتها سلوكياتُ أهل الحكم فوضعوا أنفسَهم في مسلسل من المآزق التي أنتجتها قراراتُهم وتصرّفاتُهم في هذه المرحلة بالذات من دون احتساب ما سيكون لها من انعكاسات في مثل الظروف الدولية والإقليمية التي تعبرها المنطقة ولبنان.

وعلى هذه القاعدة، يعفي المراقبون المسؤولين اللبنانيين من تردّدات بعض الأحداث التي بقيت في سياق التطوّرات العادية بلوغ مرحلة المحادثات التي سيشهدها مقرّ قيادة القوات الدولية بين لبنان وإسرائيل هذا الأسبوع حول الحدود البرية ومصير الجدار الإسمنتي الذي تبنيه إسرائيل على طول الخط الأزرق كما بالنسبة الى المفاوضات حول الحدود البحرية للمنطقة الإقتصادية الخالصة. وأيّاً كانت تردداتُها فهي من التطوّرات التقليدية التي كانت ستشهدها البلاد بوجود حكومة كاملة الأوصاف أو حكومة تصريف اعمال قبل الإنتخابات النيابية او بعدها وأيّاً كانت الظروف التي رافقت إبطال المجلس الدستوري المادة 49 من الموازنة العامة. وكل ذلك يتطابق مع تطورات الوضع في سوريا واليمن وما يمكن أن تؤدّي اليه العمليات العسكرية الجارية هناك وتردداتها على الساحة اللبنانية ودول الجوار السوري والمنطقة.

لكنّ هذا العفو المبرَّر في التوقيت والشكل والمضمون، لا ينطبق ولا يستنسخ بالتأكيد عند النظر في بعض الأخطاء التي ارتُكبت في اكثر من ملف ومحطة. فالتوقيت الذي اعتُمد لإصدار مرسوم التجنيس كان من اكبر الأخطاء التي ارتُكبت قبل ان ينتهيَ الثلثُ الأول من العهد. وما ظهر من تحضيرات لهذا المرسوم والتي سبقت الإنتخابات النيابية بأسابيع قليلة، ونشره بعدها مباشرة أدّى تلقائياً الى الربط بين المرسوم ومردوده في تمويل الماكينات الإنتخابية لواضعيه.

وزاد في الطين بلة، أنّ إصدارَه بعد اسابيع قليلة على صدور قرار المجلس الدستوري بإبطال المادة 49 من قانون الموازنة العامة لارتباطها بملف التوطين الفلسطيني والسوري في لبنان على وقع الحديث عن مشاريع دمج السوريين بالمجتمع اللبناني، واعتراض وزير الخارجية على التوجّه الدولي بعد أسابيع قليلة على بدء تطبيق القانون السوري الذي حمل الرقم 10 والمرتبط باحتمال نزع ملكيّة عشرات الآلاف من السوريين النازحين الى لبنان عن بيوتهم ومنازلهم لمجرد إلزامية عبورهم بدوائر الأمن السياسي قبل وصولهم الى إثبات ملكيّتهم لأراضيهم في الدوائر العقارية وهو ما سيؤدّي حتماً الى بقائهم في لبنان.

وعليه، وعندما يقارب أيُّ مراقب هذا الموضوع اليوم لا يرى أيّ تفسير للخطأ الفظيع الذي ارتُكب بردّة فعل وزير الخارجية ضدّ ممثلي المجتمع الدولي من خلال فرض ما سمّاه العقوبات الدبلوماسية على ممثلي ومندوبي الأمم المتحدة في لبنان ومفوضية شؤون اللاجئين تحديداً ما قد يؤدّي الى مواجهة غير متكافئة بين لبنان والمجتمع الدولي، وهو ما قاد الى الإنقسام العميق الذي عبّرت عنه المواقف على مستوى أهل الحكم وردّة فعل الرئيس الحريري الذي أحرجته تدابير باسيل – التي وإن قيل إنها لتجاوز ردّات الفعل على مرسوم التجنيس – فاعتبر كثر أنها ليست من مهمته وحده في مرحلة تصريف الأعمال وتجاهل دور رئيس الحكومة المكلّف بالحوار مع المجتمع الدولي والوزراء المعنّيين بجوانب مهمة من الملف، بعد أسابيع قليلة على أهمّ المؤتمرات التي عُقدت دعماً للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، وفي مساعدته ليقوى على مواجهة أزمة النازحين السوريين وتجنيب البلاد الخضّات الإقتصادية المتوقّعة نتيجة تردّي الوضع المالي للخزينة العامة وما يتهدّد اقتصاد المجتمعات المضيفة للنازحين.

وتأسيساً على التصنيف الذي يُجريه المراقبون لمجموعة الملفات المفتوحة، لا يمكن التغاضي عن الإساءة التي طالت رئيس الجمهورية والإهتزاز الذي أصاب صورته بعدما وقّع مرسوماً دُسّت فيه لأسباب ربما مالية أسماء، قالت وزارة الداخلية إنها أُخضعت لكلّ أشكال التدقيق لئلّا تسيء الى سمعة لبنان وعلاقاته الدولية مع دول ومجتمعات صديقة وخروج على العقوبات الأميركية والدولية التي يلتزمها لبنان قبل أن يتبيّن ما فيه من خروقات خطيرة ستؤدّي الى إعادة النظر به حتماً عدا عن الباب الذي فتحه لتوسيع رقعة التجنيس التي ستطال فلسطينيين وسوريين بحجمٍ أكبر بكثير عند ضمّ أبناء وادي خالد والقرى السبع.

والأمرُ نفسُه ينطبق على ما أُصيبت به صورة رئيس الحكومة قائد الحوار مع المجتمع الدولي عند ما يمكن أن تتركه إجراءات باسيل المتخذة من جانبٍ واحد بحقّ ممثلي هذا المجتمع، في وقت يبدو فيه الحريري أحياناً في موقع غير المقرِّر في جوانب عدة من مهمة تشكيل الحكومة وتكبيله بالشروط والشروط المضادة التي تدفعه الى تشكيل حكومة، ربما لا يريدها كما ستكون في تركيبتها وحصصها وهو ما يقود الى اهتزاز في صورته الداخلية كما الخارجية وتجعله في موقع اضعف ممّا يتصوّره أحد عندما يرى الجميع في الداخل والخارج انه يشكّل حكومة لسواه.

والى هذه الصورة السلبية التي تركتها تصرّفاتُ البعض من اهل النفوذ والحلّ والربط، يبقى الرهان على صحوة مفاجِئة لتجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة مع اعتقاد كثر أنّ ما هو مطلوب مجرد أحلام إذا ما استمرّ النهج على ما هو عليه دون تعديل وتغيير في رجالاته والأساليب، وهو أمر شبه مستحيل وما زال باعتراف الكثر بعيدَ المنال.