IMLebanon

من هو «الحكيم» الذي زوَّر جواز سفر الأسير… ولماذا اختار نيجيريا؟

في رحلته الثانية بعد توقيفه من الأمن العام الى مخابرات الجيش، تنتظر الشيخ أحمد الأسير رحلة استجواب أصعب وأطول. في الأساس كان ملفّ متابعة الاسير في عهدة المخابرات، وعليه فإنّ مضمون التحقيق معه في اليرزة، وفق ما كشفت مصادر لـ«الجمهورية»، يستند إلى معطيات ومعلومات عنه، تقع في تسعين ملفاً وإضبارة مجمّعة في اليرزة، وهي تغطي استعلاماتياً حركته منذ بروز حركته وحتّى توقيفه.

تنفي هذه المصادر أن يكون الاسير في وضع صحيّ أو نفسي مهتزّ. لقد وصل الى اليرزة وخلال الفترة الاولى من دخوله معتقله، توضّأ وظلّ يُصلّي لنحو ساعة متواصلة. كان أداؤه متّزناً ولا يَشي بتوتّر بالغ، ولوحظ أنّه يستغرق في دعاء طويل يُتمتم فيه بصوت خافت.

لم يكن ممكناً معرفة نوعية التوسلات التي طلبها من الله خلال صلاته، ولكنّ ملامحه لم توحِ بأنّه توسّل الغفران، بل «اللطف بالقضاء الذي لا مردّ له» (وهو دعاء لله يتوسّله المسلم لكي يُخفّف الله عنه وطأة ما هو مقدّر له في حياته من مشكلات).

لقد كانت بداية قصّة وصول الاسير الى كمين الامن العام، قد تجمّعت خيوطها من خلال عوامل غير مباشرة وأُخرى مباشرة تضافرت لتجعله موجوداً الآن حيث هو تمهيداً لتقديمه إلى المحاكمة.

نقطة الضعف الأساسية في سيرة الأسير الأمنيّة بعد تواريه عن الأنظار إثر سقوط مربّعه الأمني في عبرا، تمثّلت في لجوئه الى مخيّم عين الحلوة. فالمخيم الفلسطيني لا يتحمّل إقامة لبناني من نوعية الأسير بين ظهرانيه؛ فالشيخ كان قويّ الحضور وقادراً على جذب الاهتمام اليه، ولديه احساس متضخّم بقيادة الآخرين. وبحسب تقدير امني، كان منتظراً أن يلفظ المخيم الأسير في لحظة قريبة وأن يَشي به.

وبالفعل حدث ما كان متوقعاً، وذلك عندما طلب الأسير من «الحكيم» المقيم في عين الحلوة تزوير وثيقة سفر له مدفوعة الأجر. لبّى «الحكيم» طلبه ولكنّ هذا السرّ حول جواز سفر الأسير المزوّر باسم خالد العباسي، لم يبقَ محصوراً بين الاثنين.

وصلت هذه المعلومة بطريقة ما إلى شخص فلسطيني محسوب على البيئة الاسلامية في المخيم، وهو بدوره سرَّبها للامن العام اللبناني الذي أحسَن استثمارها توصّلاً إلى توقيف الاسير في مطار بيروت.

مَن هو «الحكيم»؟

اسمه الحقيقي «حسن نوفل»، وهو فلسطيني يقيم في مخيم عين الحلوة. رجل في العقد الخامس من عمره، «أبرص» الوجه ينتشر «النمش» على سحنته. ويورد سجلّه الامني والسياسي، أنّه انتسب لفترة معينة قبل سنوات عدة الى تنظيم الجبهة الشعبية – القيادة العامة. ثمّ انسحب منه لأسباب غير معروفة، على رغم أنّ معلومات مستقاة من القيادة العامة تفيد أنّه خرَج من التنظيم مطروداً.

بعد فترة قليلة، شاعَ اسم «الحكيم» لدى أجهزة الامن المحلية والعالمية كأهمّ مزوّر للوثائق الثبوتية (جوازات سفر من مختلف الجنسيات، بطاقات اللاجئين الفلسطينيين، وحتى العملة بمختلف أنواعها).

تقول المعلومات عنه إنّه يُزوّر المستندات على اختلافها بحِرَفية عالية جداً، وعلى نحوٍ يجعل المستند المزوَّر طبق الأصل عن المستند الصحيح، وتصل نسبة تطابق عملياته التزويرية الى نسبة مئة في المئة في حالات كثيرة. ومعظم بطاقات اللاجئين الثبوتية وجوازات السفر التي تُزوّر في المخيم تحمل بصمات «حسن نوفل» الملقب «حسن الحكيم».

وتفيد أحدث المعلومات أنّ «الحكيم» يؤمِّن الحماية لنفسه من مصدرَين، الأوّل هو حاجة الكثير من فصائل المخيم اليه، فالمعروف أنّ الآلاف من لاجئي المخيم مطلوبون للدولة اللبنانية وهؤلاء يتحايلون على حواجز الجيش اللبناني عند مداخله خلال خروجهم منه او دخولهم اليه، بواسطة بطاقات ثبوتية مزوّرة يصنعها لهم «الحكيم» في غالبية الأحيان.

والمصدر الثاني هو حماية مباشرة يتلقّاها من تنظيم «الشباب المسلم» الذي يتزعّمه اسامة شهابي. وهو تنظيم سلفي جهادي متشدّد يُحاكي عقائدياً تنظيم «القاعدة»، ويضمّ أشهَر خمس مجموعات إرهابية في عين الحلوة، اتَّحدت أخيراً (جند الشام وجماعة هيثم الشعبي وتوفيق طه وبلال بدر، الخ..).

ويُمثّل «الحكيم» بالنسبة إلى تنظيم «الشباب المسلم» ثروة لا تُثمّن مادياً وسياسياً، خصوصاً أنّ التنظيم يُوظّف موهبة إتقان التزوير لدى «الحكيم» في تسديد خدمات لجماعات إرهابيّة في الخارج تحتاج الى وثائق مزوَّرة لضمان تنقّل أخطر إرهابيّيها عبر العالم.

ونظراً لذيوع سمعته في البيئات المهتمّة بالتزوير، وخصوصاً الارهابية منها، فإنّ سعر البدل الذي يتقاضاه «الحكيم» لقاء خدماته التزويرية ارتفع على نحوٍ ملحوظ: جواز السفر المزوَّر ثمنه 2000 إلى 3000 دولار؛ و1000 دولار يتقاضاها لقاء تزويره وثائق أقلّ أهميّة. كما لديه متّسَع لأرباح أخرى يجنيها من تزوير العملات الأجنبية التي يصعب تفريقها عن العملات الصحيحة.

عودة الى الأسير

ويظهر التدقيق الامني بجواز السفر المزوّر الذي استخدمه الأسير خلال محاولته الفرار الى نيجيريا عبر القاهرة، أنّه مقارب لأن يكون طبق الأصل عن الجواز الصحيح. ولولا وجود معلومة مسبقة عن «أنّ الأسير سيستخدم جوازاً باسم خالد العباسي للسفر من لبنان»، لكان من الصعب توقّع اكتشاف حيلته، خصوصاً أنّ امكانية اكتشافه عبر بصمة العين خلال مروره على حواجز الامن العام غير واردة، نظراً لعدم وجود أجهزة من هذا النوع في المطار.

وتفيد المصادر أنّ أبرز الأسئلة التي تحتاج أجوبة من الأسير في جولة التحقيق الثانية معه في اليرزة، لم تعد عن مموّليه أو عن البيئة السياسية التي احتضنته أو ساعدته أو تقاطعت معه في لحظة عابرة من باب احتوائه أو توظيفه. فثمة ما يكفي من معلومات عن هذا الجانب.

والسؤال الذي سيَستدعي متابعة في مرحلة التحقيق الثانية، هو عن السبب الذي جعله يختار نيجيريا مكاناً يهرب إليه. مَن كان سيستقبله هناك، ومع أيّ بيئات يتواصل فيها؟ وما هي صلته بها وهل لها امتدادات إرهابية عالمية؟ ويؤمل أن توضِح إجاباته عن هذه الأسئلة، جانباً محتمَلاً لا يزال مخفياً في حركته، ومفاده ما إذا كان له علاقة بشبكة أوسع داخل مناخ الارهاب العالمي!

أخطاء الأسير

أصبح الأسير الآن ملفاً في طريقه الى القضاء. ويتمّ الآن في دوائر مهتمة، استذكار الاستنتاجات عن تجربته وسلوكه، وذلك بمفعول رجعي وانطلاقاً من معرفة أمنيّة وشخصيّة به. ويسجّل تقرير أمني النقاط الآتية حيال تقويم الأسير:

أولاً – لم يكن الأسير قنبلة صوتية كما شاع عنه. صحيحٌ أنّ الرجل بدأ مشواره ولم يكن يعرف أين سينتهي وكيف. لكنّه هو ذاته، اكتشف خلال سيره في مشروعه، مزايا قيادية في شخصيته. فهو خطيب متفوّه وصاحب مبادرة حركيّة.

لقد بدأ في مسجد بلال بن رباح كإمام مسجد، ثمّ أصبح زعيم حركة يُصلّي وراءه كلّ يوم نحو 900 مؤيّد. وهو عدد يؤشر من منظار أمني الى قدرته على الاستقطاب.

وبعد تواريه عن أنظار العدالة، لم تتناقص أعداد مؤيّديه؛ بل أصبح له أتباع في الشمال وبيروت والبقاع، اضافة الى صيدا. والأهم من ذلك أصبح يوجد بين أتباعه مَن هم مستعدون للتضحية بأنفسهم في سبيل نصرته.

ثانياً – لولا أخطاء ارتكبها، لكان نجَح إلى حدٍّ بعيد في تنصيب نفسه زعيماً داخل الطائفة السنّية. وأبرز أخطائه اثنان: اصطدامه بالجيش اللبناني، وذهابه للتسلح وابتعاده من السلمية.

كان يمكن للأسير أن يشكّل مشكلة أكبر للبنان ولبيئته وأيضاً للآخرين، كونه صاحب تفكير غير سوي من منظار المواصفات الوطنية وحتى الدينية. لكنّ أخطاءه جعلت طريقه الى السجن أقصر…