IMLebanon

الموهوم..

لم يعد أمراً استثنائياً، بأي مقياس، تلقّف «نهفات» الرئيس السوري السابق بشار الأسد التي يطلقها في كل حديث يجريه مع وسيلة اعلامية أجنبية، من أجل تفنيدها أو التوقف عندها أو الامعان في تحليل صاحبها وشخصيته وطبيعة المرض الذي فيه.

فات أوان ذلك الترف. باعتبار أن الأسد قطع منذ زمن طويل، آخر صلة له بالواقع، واستمرأ عالم الوهم.. بل هو في مكان ما، صار يشبه الانتحاري الذاهب الى هدفه بـ»غيبوبة يقظة»: يرى ما يريد أن يراه. ويسمع ما يريد أن يسمعه. أو بالأحرى، كل ما يراه أمامه يعتبره خيالاً، وكل ما يسمعه، يمر عبره ولا يلزق. ولا شيء في وعيه سوى لاوعيه. وهذا يجعله خفيفاً طيّاراً، يمشي على الأرض وكأنه يطير في السماء. ويحكي كي يسمع حاله. وفي أذنيه لا يطنّ إلا وتر الموت. وفي ذهنه لا تلمع إلا أوهام «الحل الأخير».

في كلامه الجديد رعونة لا تليق إلا بالفنائي، الماشي على طريق لا عودة فيها. والذاهب الى مصير لا التباس فيه. والعارف تماماً، أن وهمه هو سبيله الوحيد للإيحاء بأنه واقعي! والواثق تماماً، بأن أي محاولة منه للحديث العاقل لن تفضي سوى الى تأكيد جنونه. يمعن في الاستفزاز الشبيه بالصرع وفي ظنه أنه يكيد حسّاده. وهم في حالته، أعداء لا تشوب عداوتهم أي شبهة أيّاً كانت طبيعتها.

في حالته الاستثنائية، عاديات الأيام الأخيرة للطواغيت. مثله، حالات كثيرة مرّت في التاريخ، قديماً وحديثاً. وجامعها المشترك، ان غربة أصحابها عن الدنيا كانت أقصر الطرق الى اندثارهم. وان أنصاف الآلهة التي فيهم كانت الوجه الآخر للشياطين المستورة في طبائعهم. وأن تمسكهم المرضي بوهم البقاء كان العصب المركزي الموصل الى الفناء.

في مرحلته السابقة، كان يتقصّد الاطلالة عبر الاعلام، بعد تحقيق أي «انجاز» ميداني، ليقول انه أقوى من أعدائه. وانه ليس مثل غيره. وان نظام التملّك يسري عليه تماماً بتاتاً: لا تُنزع ملكيته إلا بالقوة. فهو يورّثها كما ورثها. وسوريا الدولة والأرض والناس والشجر والماء والهواء وكل من دبّ عليها، هي تلك الملكية الخاصة التي ورثها عن والده وسيورّثها من بعده لأولاده. وان حقه في «التصرف» بها، لا ينازعه فيه أحد، أو قانون أو دستور أو عرف، أو ثورة.

في مرحلته الراهنة، يدلّ على شيء آخر تماماً. يبلف بالحضور الهوائي المباشر لا ليقول هو انه لا يزال قوياً، وإنما كي يُقال عنه انه لا يزال قوياً.. فيما واقع الحال الذي يعرفه أكثر من كل الناس، هو أن بلفه مكشوف: ركاكته الميدانية لا توازيها سوى ركاكته المالية والاقتصادية. واندثاره أقرب الى التحقّق من أي وقت مضى.

.. الموهوم الذي لا يزال يحكي عن «رئاسة» لسوريا، وهو الذي لا يستطيع ضمان خروجه الى باحة دمشقية فيها نسمة هواء!