IMLebanon

من نصّب السعوديّة زعيمة العالم السنّي؟

ثمّة من يتساءل لماذا يُدافع «حزب الله» عن كلّ شيعة العالم بمن فيهم شيعة السعودية، ولا سيما الشيخ نمر باقر النمر الذي قامت السعودية أخيراً بإعدامه في توقيت لم يوافقها عليه أحد لأنّه يزيد من الانقسامات القائمة حالياً بين دول المنطقة، ومن التعصّب الطائفي الذي تسعى دول العالم الى تخليص البشرية جمعاء منه.

في المقابل، ثمّة من يسأل أيضاً: من نصّب المملكة العربية السعودية زعيمة العالم الإسلامي حتى تقوم بهذا الأمر في هذه الدولة المجاورة، وتأمر بذلك في تلك؟ وإذا لم يحصل ما تريده عمدت الى أساليب خارجة عن القانون الدولي والإنساني، وربما الديني.

فما حدث أخيراً من توتّر للعلاقات السعودية – الإيرانية، لا يمكن تجاهله، على ما تقول أوساط ديبلوماسية متابعة، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات التي كان يؤمل فيها بتقارب بين هذين البلدين، يُكمل التقارب الإيراني – الغربي. غير أنّ المملكة لم تتمكّن، على ما يبدو، من «بلع» أو «هضم» هذا الاتفاق الذي أعاد إيران الى الساحة الدولية بقوة، بعد سنوات من العزلة والعقوبات الاقتصادية عليها. فأظهرت اعتراضها عليه بطريقتها، وانطلاقاً من مبدأ «عليّ وعلى أعدائي»، في خطوة متقدّمة لا تنمّ عن أي تراجع أو تسوية آنية.

لكنها ترى في الوقت نفسه، أنّ الحرب التي أعلنتها المملكة على إيران، وإن كان الأمر لن يتعدّى القطيعة الديبلوماسية ولن يصل الى الحرب الفعلية العسكرية بين البلدين، إنّما تدلّ على رفضها أي تسوية من الممكن أن تقترحها طهران في إحدى دول المنطقة.

«الأمر لي»، قالتها السعودية ومشت، متغاضية عن كلّ الانتقادات والتهديدات التي طالتها بشنّها الحرب على إيران في هذا الوقت بالذات، ومن دون أي مبرّر فعلي. غير أنّها في الواقع تضيف الاوساط، تجد أنّ لديها مبرّرات كثيرة، وإلا لما سارعت الى إعدام أكثر من يعارضها في الداخل السعودي.

ولعلّ أبرز هذه المبرّرات أنّها لا تريد من يشوّش على تصرّفاتها حيال دول المنطقة ومن الداخل، إذ يكفيها ما تلقاه من الخارج، ولا ترضى عليه، ولا يسعها سوى السكوت والتفرّج، على غرار ما حصل معها يوم جرى توقيع الاتفاق النووي الايراني- الغربي، إذ اعترضت عليه، من دون أن يلقى موقفها هذا أي تجاوب من قبل الولايات المتحدة الحليفة الأولى لها.

كما أنّها عندما نادت بسقوط نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، قامت بكلّ ما بوسعها لحصول هذا الأمر من دون أن تجد بديلاً له. فما يهمّ السعودية وسواها من الدول الحليفة لها، على ما تضيف الأوساط نفسها، هو أن ترى الأسد خارج السلطة. أما ما يحدث بعد ذلك، ومن يحلّ مكانه أو ماذا يحلّ بالشعب السوري النازح والمهاجر والمشرّد، فليس من شأنها، تماماً كما فعلت في العراق، وتفعل في اليمن والبحرين وسواها من دول المنطقة ذات الغالبية الشيعية.

وفي لبنان، لعلّ أكثر ما يزعجها بحسب الاوساط، هو رؤيته ينعم بالهدوء والاستقرار ويستقطب السيّاح، إن في موسم التزلّج، أو في فصل الصيف، وإلا لما رعت في العام 1989، اتفاق الطائف، ونزعت منه صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني لتمنحها لمجلس الوزراء مجتمعاً، الذي قام رؤساء وزراء عدة، وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة باختزاله بشخصه واتخاذ خطوات عدة ترضي المملكة بالدرجة الأولى، ولا سيما طلب إنشاء المحكمة الخاصة من أجل لبنان من دون موافقة غالبية وزراء حكومته، على ما يُفترض. فكان أن اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 1757 الذي قضى بإنشاء هذه المحكمة بهدف اتهام سوريا بداية، ثم «حزب الله» ثانياً باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على ما يخدم مصالح السعودية في المنطقة.

ولعلّ السعودية التي تسعى لتزعّم العالم الاسلامي، السنّي تحديداً، وتحاول تهميش الشيعة وإضعاف دورهم في دول المنطقة، تتناسى بأنّ عدوها الفعلي الذي بقف حائلاً أمام تنفيذ حلمها بالسيطرة سنياً على دول الشرق الاوسط، على ما شدّدت الاوساط ذاتها، ليست إيران بل تركيا. فالسلطة العثمانية التي حكمت العالم لمئات السنوات، وكانت ولا تزال تُدافع بشراسة عن العالم الاسلامي- السنّي، لن تترك الدفّة في المنطقة للسعودية، وإن كانت اليوم تقف في صفّها. ولكن عندما يحين التنافس على الموقع الأول، فلن تقف أنقرة متفرّجة على السعودية، بل ستقول لها بأنها موجودة، ولا يمكنها بالتالي تخطّي دورها، وتزعّم العالم السنّي.

إذاً الصراع المستقبلي السنّي سيكون بين السعودية وتركيا، وإن حصل فمن شأنه إضعاف الطائفة السنيٌة في المنطقة، ولا سيما في لبنان أيضاً. فهي اليوم أقوى بكثير ممّا كانت عليه في السابق أي ما قبل اتفاق الطائف، ولذلك تسعى للحفاظ عليه، وعدم السير في تعديله، لكي لا تفقد الدور الكبير الذي أسنده اليها، بدعم من المملكة.

من هنا، فإنّه على لبنان عدم التورّط مجدداً بصراعات الآخرين لكي لا تحصل المعارك على أرضه. فالصراع السعودي- الإيراني، لا يجب أن يُحلّ في لبنان، إذ يكفيه أنّ التحالفات الداخلية مع هذا البلد أو ذاك، هي التي أوصلته الى ما هو عليه اليوم من شغور رئاسي، وتعطيل لعمل الحكومة ومجلس النواب والمؤسسات كافة. ولو تمكّن فريقا 8 و14 آذار من التفلّت من هذه التحالفات، لتوصّلا الى حلّ الخلافات القائمة فيما بينهما، والى إجراء الاستحقاقات في مواعيدها، بدلاً من انتظار معرفة أي من البلدين سيتمكّن من السيطرة في النهاية ويلعب دوراً مهماً في المنطقة مستقبلاً.