من سيدفع فاتورة الحرب الجوية الروسية في سوريا؟ ليست سوريا بالتأكيد التي لم يعد يقف نظامها سوى على الامدادات الايرانية والروسية ولا ايران ولا الدول الخليجية طبعاً. فحين بدأت الادارة الاميركية شن الطلعات الجوية لقصف “داعش” في العراق ومن ثم في سوريا فان الكلفة قدرت بمليار دولار شهرياً وفق ما نسب الى وزير الدفاع الاميركي انذاك تشاك هيغل. فالعراق دفع تكاليف الضربات الجوية التي وجهها التحالف الدولي في العراق ضد تنظيم الدولة الاسلامية فيما افادت معلومات بان الدول الخليجية ساهمت في تمويل هذه الضربات ضد التنظيم في سوريا. والضربات الجوية وفق التقديرات الاميركية تكلف 300 الف دولار في الساعة في حين انه بلغ انفاق اسرائيل يومياً على الحرب على لبنان في عام 2006 زهاء 22 مليون دولار. السؤال عمن يمول الحملة العسكرية الروسية يستند الى محاولة معرفة المدى الذي ستذهب اليه روسيا والمدة التي ستستغرقها الحرب التي تشنها ضد معارضي الرئيس بشار الاسد ولو بالتزامن مع عدم اهمال المصالح الاستراتيجية لروسيا ان في الدويلة الساحلية التي يتم تثبيتها على الساحل الروسي او عبر طموح روسيا الى عقود استثمار الغاز في المنطقة. لكن ذلك للقول ان هذه الحرب لا يمكن ان تكون مفتوحة في الزمن في ظل عقوبات يعاني منها الاقتصاد الروسي. فالحرب مكلفة بالنسبة الى روسيا الى درجة الشك في قدرتها على متابعتها لاشهر طويلة كما رجح أحد نواب البرلمان الروسي بان تستمر بين ثلاثة واربعة اشهر ثم ما لبث ان تراجع عن تصريحه. السؤال التالي يرتبط بما سينجزه الرئيس الروسي في سوريا وهل هو إعادة احياء النظام وترميمه وحماية دمشق امتدادا الى الساحل السوري مركز الثقل العلوي فضلاً عن موقع القاعدة العسكرية الروسية على المتوسط وفق ما هو مرجح، ام هل هو العمل على تثبيت النظام ومساعدته من اجل محاولة استعادة السيطرة على مدن أساسية خسرها او ربما محاولة مساعدته على استعادة السيطرة على سوريا مجدداً؟ فثمة فارق كبير بين محاولة منع النظام من الانهيار من اجل تمكينه من الجلوس على طاولة التفاوض قوياً نسبياً وبين تمكينه كلياً من المعارضين على استحالة هذا الاحتمال الاخير في ضوء اعتبارات متعددة.
لا يهمل مراقبون سياسيون وديبلوماسيون في بيروت حجم الحملة التي بدأتها روسيا في سوريا وتأثيرها في محاولة قلب التوازنات التي رست على الارض والتي تشكل منعطفاً كبيراً في الحرب في سوريا. والحملة في حد ذاتها كما طبيعتها وابعادها هي مدعاة للقلق بالنسبة الى لبنان نظرا الى ان لكل تطور من التطورات السورية انعكاساته وتداعياته في لبنان. لكن من باب التجربة اللبنانية ابان الحرب ايضاً، فان هذا المنعطف على أهميته قد لا يكون سوى مرحلة اخرى جديدة خطيرة من تطور الحرب الاهلية السورية ولا يعني حكما قرب انتهائها. اذ حصلت تطورات خطيرة في الحرب اللبنانية قد يكون ابرزها احتلال اسرائيل مناطق لبنانية وصولا الى دخول العاصمة وحققت أهدافاً كانت من بين ما طالبت به اسرائيل في شأن ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية. لكن الأمور لم تستتب لها كما ان الامور لم تستتب للنظام السوري لولا انه تلاعب بلبنان لعقود ما ادى الى تسليم العالم بوصايته على جاره الصغير. ولذلك فإنه على المدى التي يمكن ان تذهب اليها الحملة العسكرية الروسية تتوقف احتمالات المرحلة المقبلة. فثمة تسليم غربي بالتدخل الروسي من حيث الاقرار بمصالحه في طرطوس وعلاقته التاريخية بسوريا بالتزامن مع دعوته الى توجيه ضرباته العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية وليس ضد المعارضة السورية للنظام والتي تشكل الخطر الفعلي عليه. ولكن ابعد من ذلك هل يمكن ان يكون الاتفاق الذي عقد مع ايران حول ملفها النووي من اجل ان يتاح المجال لروسيا ان تركب الاتفاق وتحاول تحقيق نفوذها في المنطقة؟ وما هو مصير الضمانات التي قدمتها ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما في قمة كامب ديفيد للدول الخليجية من اجل ضمان امنها على خلفية الاتفاق النووي؟ وهل ان الحملة الروسية وتلاقي مصالحها مع المصلحة الايرانية في سوريا لا تشكل تهديدا للدول العربية خصوصاً متى استهدفت الحملة العسكرية الروسية المعارضة السورية من دون تمييز مستهدفة الطائفة السنية تحديدا بما يصب في مصلحة ايران ويعزز نفوذها أقله من حيث المبدأ؟ وتفيد معلومات ديبلوماسية ان روسيا ادركت سريعاً الخطأ الذي شكله موقف الكنيسة الارثوذكسية في دعمها حرب بوتين على اساس وصفها بالحرب المقدسة. فمع ان موقف الكنيسة في روسيا ليس جديداً وهو كان ذريعة رفعها بوتين مراراً مقدماً بلاده على انها باتت هي حامية المسيحيين في المنطقة وليس اي طرف آخر، فان هذا العنوان شكل انذاراً لروسيا ولو انها لا تظهر حساسية ازاء ردود الفعل على مواقفها كما تفعل واشنطن او اي دولة اوروبية. في اي حال ليست المصالح العربية او التركية التي ستكون مهددة وحدها ودوماً تبعاً لمدى الطموح الروسي، وما اذا كان سيقتصر على حماية الاسد ومنع سقوطه وتأمين مناطق نفوذه ام ابعد من ذلك، بل المصالح الاميركية ايضاً.