كان الشاعر المصري الفذ احمد فؤاد نجم يقول «للسنّة اميركا تحميهم، وللشيعة روسيا، اما نحن الملحدون فلنا…الله».
يستدرجنا هذا الكلام الى التساؤل «اذا كانت للسنّة السعودية و للشيعة ايران، من للمسيحيين في لبنان؟». إياكم ان تقولوا الفاتيكان. إياكم اكثر ان تقولوا اميركا. لعلهم متروكون للقضاء والقدر الذي هو صيغة (لاهوتية) اسلامية على كل حال.
واقع الحال ان السنّة يحمون جزءا من المسيحيين، بالرغم من دونكيشوتية البعض، والشيعة يحمون الجزء الآخر. صاحبنا الجنرال وقع في الشيزوفرانيا. لا، لا نقول البارانويا. قال ان المسيحيين يواجهون خطر الوجود، ثم هبط الى شعار «حقوق المسيحيين» في رئيس للجمهورية يكون على قياسه تحديدا. لا اعتراض، ولكن هل يعتقد العماد ميشال عون ان انتخابه بالذات يحمي المسيحيين من الاندثار او على الاقل من الضياع؟
لفترة، ولكل الفترات، دأب مسيحيو 14 اذار على اختراع اي سبب للحملة على «حزب الله». الاتهام جاهز حتى ولو تعلق الامر ببعض الكآبة في وجه القمر. قالوا ان الحزب انما دعا ذات يوم الى مؤتمر تأسيسي (سريعا عاد عن الطرح) لانه يريد، بقوة السلاح طبعا،فرض المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين كما لو ان هؤلاء، اي المسيحيين، لا يعيشون، واقعياً ودستورياً وحتى ميثاقيا، ما هو اسوأ من المثالثة…
الآن، ولا احد معني بحمايتهم حتى ان البابا فرنسيس مأخوذ بلاهوت البؤساء، ولا علاقة له بالمقعد النيابي لفارس سعيد او بمحاولة جان اوغاسبيان ان يتكلم في السياسة، يقولون انهم يريدون في قصر بعبدا رئيسا قويا مثلما للسنّة رجلهم القوي، او ممثله، في السراي الحكومي ومثلما للشيعة رجلهم القوي في ساحة النجمة…
قبل الولوج في المسألة، شيء من التوضيح. لا احد ينطلي عليه انه لا يزال هناك اسلام، الا اذا قيل بالتماهي بين ابي ذر الغفاري وابي بكر البغدادي، ناهيك بأبي محمد الجولاني، كما لو انه لا يوجد عندنا من هو اشد هولا اذا تثنت لكم متابعة ذلك الشيخ الجليل على احدى الشاشات المحلية وهو يصف المسيحيين بالكفرة، اي يفترض قطع رؤوسهم، وسبي نسائهم، ان لم يعتنقوا الدين الحنيف( اين هو؟)..
لم يعد النيو اسلاميون يقبلون بمقولة «اهل الذمة» و«اهل الكتاب»، وبالتالي دفع الجزية والسير الى جانب الحائط او حتى داخل الحائط. إما ان تكون مسلما على طريقتنا او لا تكون…
لا اسلام هناك ولا مسلمون. عودوا الى ما يقوله المشايخ، وما يبتدعونه من فتاوى، واي طريقة ينتهجونها في التأويل (دون ان يتنبهوا الى ان الله عاقب آدم بانزاله من الفردوس لا من مغارة)، وتابعوا تسويق الضغينة في المساجد التي تتكاثر وتتكاثر، ودون ان نأخذ العبرة من تونس التي اقفلت ثمانين مسجداً لان الله لا يقبل بأن «تعتمر الثعابين العمائم»، كما كتب صحافي تونسي عقب تنفيذ القرار..
هناك دينان، احدهم سنّي وله آلهه ونبيّه واولياؤه وطقوسه القاتلة، والثاني شيعي وله الهه ونبيّه واولياؤه وطقوسه القاتلة. الاثنان يمضيان، على حد السكين، في سباق سيزيفي نحو العالم الآخر الذي افتى الحاخام عوفاديا يوسف باقفاله في السبعينات من القرن الفائت.
وحين يعترض البعض على التصدع السياسي في الحالة المسيحية، لا يأخذ بالاعتبار ان التصدع الايديولوجي في الحالة الاسلامية يقود او هو قاد، فعلا، الى صراعات دموية يتداخل فيها العدمي مع الغيبي على ذلك النحو المريع…
اذاً، هناك سنّـة، وهناك شيعة، وهناك مسيحيون في لبنان. ثلاثة اديان في طبق واحد فتدبروا امركم. جدلياً، سقط الطائف بمجرد ان سحق كرادلة الدنيا كما كرادلة الآخرة المادة 95 من الدستور التي تقضي بتشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية السياسية…
لعل المسيحيين يريدون الاعتراف بهم انهم الثلث لا نصف الثلث ولا ثلث الثلث لانهم يدركون ما فعلت بهم الظاهرة الهمجية في سوريا وفي العراق. اين الفارق هنا بين الابادة السياسية و الابادة الجسدية؟
لا مجال لاي جراحة دستورية الآن. على الطريقة اللبنانية جراحة سياسية، ولكن اليست الاولوية الآن لان نكون (جميعا) او لا نكون؟!