نعيش الى اليوم تداعيات أزمة النفايات، وسنعيشها في القريب، وفي المدى الابعد، لان تصدير اوساخنا من البلد الذي صدّر الحرف يوما، إن حصل في ظل تضارب المصالح ودخول المذهبية والطائفية والحزبية والمناطقية على تلك العملية، لن يحل مشكلة المتراكمات مدى ستة اشهر من العام المنصرم، لان الشركة المصدرة ستنقل على عاتقها نفايات لم يتجاوز عمرها شهرا ونصف شهر، اي ان نحو 300 الف طن في اقل تقدير تنتظر حلا يبدو اشبه بالمستحيل الى اليوم.
وليست المشكلة في التشويه الذي اوجدته النفايات المتراكمة في كل الاماكن، لكنها تكمن في امرين: الامراض المتزايدة من جراء التلوث والانبعاثات السامة التي تضاعف خطر الاصابة بالامراض السرطانية وهي اصلا من النسب الاعلى عالميا بسبب قلة المراقبة لنوعية الغذاء والدواء قبل الحملة التي اطلقها وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور، والتي ارغمت كثيرين على تشديد الرقابة الذاتية. والامر الثاني هو المياه الجوفية التي ستتلوث حكما من جراء النفايات التي ترمى على الجبال وفي الاودية والتي لن توفر احدا من اللبنانيين، اذ انه حتى المياه المباعة من شركات خاصة هي مياه محلية وغير مستوردة، وبالتالي ستبقى ملوثة ولو عولجت في الحد الادنى، فالمياه الجوفية واحدة وان تعددت الينابيع.
طرحت حلول عدة لتوفير مطامر في المناطق او محارق او معامل فرز او ما شابه، وهي حلول ربما جزئية ومرحلية لتلافي المشكلة التي وقعنا فيها، لكنها افضل الممكن خصوصا في ظل التعثر في مؤسسات الدولة، ولنقل في غياب القرار الرسمي الحاسم. لكن حملات ما سمي المجتمع المدني الذي دعمناه وايدناه، عطلت كل الحلول من دون ان تقدم البدائل العملية والسريعة. وهذه الحملات رفعت شعارات مختلفة، واسماء مختلفة، رسمت صورة طبق الاصل عن واقع المجتمع اللبناني المنقسم على ذاته. واذا كنت استعرت تسمية “بدنا نحاسب” لربطها بالمحاسبة، فان المقصد هو كل الحملات التي قامت وعطلت الحلول ثم انكفأت امام هول المصيبة التي صرنا اسراها. لا تتحمل هذه الحملات اي مسؤولية لاحقة، اكتفت بتحريض الناس على رفض الحلول. لعب بعضها على الوتر الانساني والطائفي، اذ قال ناشط لمشايخ في البقاع: “ستصبح ماء الوضوء متسخة ولن تقبل صلاتكم”، ما احرج هؤلاء امام ناسهم. وقيل لآخرين ان الامراض ستفتك باولادكم ما حملهم على المواجهة مع المشاريع التي كانت مطروحة، واوصلتنا تلك الحملات الى خيار التصدير المكلف وغير المجدي في آن واحد.
الحراك المدني حمل ايجابيات كثيرة، ودفع الى إحياء المحاسبة في ملفات عدة، لكن الحقيقة انه اخطأ كثيرا في ملف النفايات، وعطل كل المبادرات، وبالغ في تحريض المواطنين، وربما يستحق المحاسبة في هذا المجال ليكون مسؤولا اكثر في معارك مقبلة نأمل ان تكون قريبة.