أيّاً تكن هوية مَن سرّب شريط التعذيب في سجن روميه، فإنه بالتأكيد ارتكب خطأ استراتيجياً، لأنه اصاب طائفة بكاملها تتنامى في اوساطها مشاعر الغضب والانكفاء وتراجع الدور، كما المذهبية القاتلة المتبادلة ما بين سنّة وشيعة على امتداد العالمين العربي والاسلامي.
فالطائفة السنية، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم تسترجع توازنها الذي بات مفقوداً كلياً منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ودفعه الى مغادرة البلاد. واذا كان كل غياب يُملأ بأحد ما، فان غياب الحريري الابن وسّع مساحة الفراغ، وجعل “تيار المستقبل” ينكفئ جزئيّاً في غير منطقة، مفسحاً امام قوى اخرى متشددة، بعضها تكفيري، لتسجل حضوراً متنامياً، وتقوم بأدوار مشبوهة في التحريض وفي التجنيد لمصلحة إرهابيين. واذا كان بعض قيادات “المستقبل” يلجأ ما بين وقت وآخر، الى اعتماد اسلوب المزايدة في هذا المجال، ظنّاّ أنّ هذا الخطاب يشد العصب ويعيد ربط مَن انقطع، فإنه بالتأكيد لا يدرك ان هذا “الوحش” الذي يساهم في احتضانه، سينقضّ عليه حكماً متى اشتد ساعده. والأمثلة كثيرة في التاريخ، ومن حولنا في القريب.
ان ما حصل عبر تسريب متعمّد لشريط التعذيب في سجن روميه، اصاب عصفورين في حجر واحد: أصاب مؤسسة قوى الامن الداخلي، وتحديدا شعبة المعلومات فيها، التي دفع العميد وسام الحسن حياته ثمنا لها، وأضعف الشريط الثقة بالمؤسسة، خصوصا في أوساط المسلمين السنّة الذين يعتبرونها، بحق أو بغير حق، الاقرب اليهم. كما اثّر في النظرة الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي عمل على ضبط السجن بعدما كان مرتعاً للارهابيين يجولون فيه ويصولون، بوضعه في موقع الخائن لأهله وناسه، بدل ان تتم الاشادة بالاجراءات التي اتخذها معيداً الى المؤسسة والى الدولة بعضاً من هيبتهما.
وأما الرصاصة القاتلة فقد اصابت المجتمع السني، وتحديدا المتشددين فيه، اذ ان ثقتهم المتراجعة بقوى الامن، وبالرجل القوي الذي يمثلهم في الداخلية، وعدم تعاطفهم اصلا مع الاجهزة الامنية الاخرى، يضاعف شعورهم بأنهم متروكون لمصيرهم، وان حركات مثل الشيخ احمد الاسير، وصولاً الى الاكثر تطرفاً واجراماً “داعش”، يمكن ان تشكل ملجأ لهم ومصدر حماية في مواجهة ما يتعرضون له.
من هنا يصبح السؤال عن هوية مسرّب الشريط بلا معنى، سواء كانت طلقة هادفة، أو رصاصة طائشة، لأن الاصابة محققة، وتفاعلاتها وانعكاساتها لا توفر احداً. فاذا كان المُطلق خصماً لوزير الداخلية أو لقوى الأمن أو لشعبة المعلومات، أو كان من أهل البيت لمصالح وحسابات لا ندركها، أو كان من ذوي السجناء لتحسين شروط ما في السجن، فإنّ الاكيد انه يدفع بعض اهل السنة الى احضان “داعش” وتوجّه كثيرين الى هذا الواقع، ولو نظرياً، إنما يهدّد الكيان اللبناني، والتعايش ما بين ابنائه.