IMLebanon

من يرفض طي صفحة الحرب في لبنان؟

ما يلفت في الحراك الشعبي، ذلك التركيز على وسط بيروت من أجل تعطيل عجلة الإقتصاد في العاصمة اللبنانية، وبالتالي بلبنان كلّه. من لا يعرف أنّ ازدهار لبنان ينطلق من بيروت، لا يعرف شيئا عن لبنان والتجربة اللبنانية وعن سبب صمود لبنان على الرغم من كلّ ما مرّ فيه من حروب ومآس.

لا يختلف اثنان على ان مطالب قسم من المتظاهرين المعتصمين والناشطين محقّة في ظل تدهور الخدمات وغياب الحلّ لأزمة النفايات. هذا شيء، ولكن من يريد تدمير وسط بيروت، كما بدر من خلال تصرّفات بعضهم، إنّما يريد اعادة فتح ملف الحرب الأهلية في لبنان لا اكثر. لا يريد لهذه الحرب ان تنتهي. اكثر من ذلك، لا يريد طيّ صفحتها لأنّه لا يعرف معنى ان تكون بيروت مزدهرة وجامعاتها مفتوحة وان تكون مكانا يلتقي فيه جميع اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الإجتماعية، نعم الطبقات الإجتماعية.

لماذا التركيز على بيروت ولماذا الرغبة في الإنتقام من بيروت؟ هل ذلك ناجم عن غياب أي نضج سياسي لدى بعض الذين يقفون وراء الحراك الشعبي ذي المطالب المحقّة، بما في ذلك معالجة قضية النفايات التي كشفت العجز الحكومي وعدم القدرة على استباق الأزمات؟ أم كلّ ما في الأمر أنّ المتظاهرين والمحرضين على التظاهرات والإعتصامات ينفّذون، من حيث يدرون أو لا يدرون، والأكيد أن كثيرين منهم يدرون، اجندة محددة.

تصبّ هذه الأجندة في خدمة المشروع الإيراني الذي يتبنّاه «حزب الله» والذي يشكل أفضل تعبير عنه منع انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية منذ الخامس والعشرين من أيّار ـ مايو 2014، أي منذ ما يزيد على سنة واربعة اشهر.

لا يختلف اثنان على أن الحكومة الحالية فشلت في التعاطي مع أي ازمة معيشية. كشفت النفايات افلاس الحكومة. حذّر وزراء في الحكومة، منذ ما يزيد على ثمانية اشهر من ازمة النفايات. قال وزير لرفاقه أنّه إذا سقطت هذه الحكومة يوما، ستسقط بسبب النفايات. لذلك، من واجب رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام أن يكون حاضرا اكثر من أيّ وقت وأن يسمّي الأشياء باسمائها، هو ابن بيروت الذي يعرف تماما ماذا تعني بيروت وماذا يعني المحافظة على المدينة بدل اطلاق شعارات مضحكة ـ مبكية تصدر عن جماعة ميشال عون وبعض الذين يخجل المرء من ذكر اسمائهم نظرا إلى انهم فاشلون قبل اي شيء آخر. هناك وزير لبناني سابق معروف برعونته، عمل مستشارا لبشّار الأسد، فشل في كلّ مهمّة تولاها. يظنّ هذا الوزير السابق الذي كان زلمة ميشال عون يوما أن المزايدات يمكن ان تغطي الفشل وعدم الكفاءة، فضلا عن الحقد طبعا.

هذا الوزير السابق ذهب إلى المدرسة وحصل على شهادة جامعية، لكنّه قَبل، من أجل ان يصبح وزيرا، المرور عبر شبه أمّي مثل ميشال عون ومن على شاكلته!

هذا الوزير السابق معاد لبيروت وازدهار بيروت ووجود فرص عمل في بيروت!

وهناك نائب سابق يتشدّق بـ»الناصرية» لا يعرف من السياسة والإقتصاد غير الإصرار على ان تكون بيروت كلّها مزبلة. وهناك زعيم لحزب يساري، لا همّ له سوى أن يكون دكّانة صغيرة عند «حزب الله» يستخدمها الحزب متى شاء خدمة لعملية تصبّ في تدمير مؤسسات لدولة اللبنانية بشكل ممنهج، الواحدة، تلو الأخرى. كيف يقبل شباب الحراك الشعبي ان يكون هؤلاء الحاقدون واجهتهم ومحرّكهم الخفي والعلني؟

هذه بعض من نماذج تستغل الحراك الشعبي الذي كان يفترض به الإكتفاء بالتركيز على النفايات التي كشفت ازمتها الحكومة والتعطيل داخل الحكومة. اليس ميشال عون في الحكومة؟ اليس «حزب الله» في الحكومة؟

هناك ظواهر لبنانية عدّة تستأهل التوقف عندها. من بين هذا الظواهر استهداف وزير الداخلية نهاد المشنوق. هل نهاد المشنوق هو المستهدف كشخص فقط بسبب مقاومته الطويلة للوصاية السورية… ام المستهدف ايضا قوى الأمن الداخلي التي تقف سدّا منيعا امام سقوط هذه المؤسسة المحترمة، المحافظة على لبنانيتها، بيد «حزب الله» وذلك على غرار سقوط مؤسسات أخرى؟

وسط كلّ ما يجري، وفي ظلّ ظهور رئيس مجلس الوزراء في كلّ مرّة يتحدّث فيها، وكأنّ في فمه ماء، يفترض في اللبنانيين امتلاك ما يكفي من الشجاعة لتذكّر بعض الأمور. كيف كانت بيروت بين 1975 و 1991 عندما بدأ مشروع اعادة بنائها؟

هل كان ممكنا ان يتنفس لبنان مجددا وأن يعود اليه العرب والأجانب للإستثمار فيه لولا اعادة بناء بيروت؟ لماذا عمل «حزب الله» عن طريق الحكومة التي شكّلها في 2011 برئاسة نجيب ميقاتي على اغلاق لبنان في وجه العرب، خصوصا اهل الخليج؟

في كلّ الأحوال، لعلّ أهمّ ما على اللبنانيين تذكّره أن حافظ الأسد جاء بجيش التحرير الفلسطيني، بعد 1976، ليرابط وسط بيروت ويفصل بين المسيحيين والمسلمين. نعم، جاء بالوية جيش التحرير الفلسطيني الموالية لأجهزته، كي يكرّس وسط بيروت منطقة فاصلة بين اللبنانيين، خصوصا بين المسيحيين والمسلمين. كان حافظ الأسد، بفكره الهدّام، لا يريد لبيروت ان تعود إلى الحياة يوما. هذا الفكر هو الفكر نفسه الذي سار عليه الأسد الإبن. هذا ما يفسّر، بين امور اخرى، حقده على رفيق الحريري والمشاركة في الجريمة التي نفّذت في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005.

لم يكن رفيق الحريري المستهدف مع رفاقه فقط. كانت بيروت المستهدفة لأنّها تحوّلت مدينة لكل اللبنانيين والعرب ولأن الأوروبيين بدأوا يستعيدون الثقة ببيروت وبلبنان. هل صدفة أنّ «حزب الله» اصرّ في العام 2007، بعد افتعاله حرب صيف 2006، على ضرب الإقتصاد اللبناني انطلاقا من اعتصامه الشهير والطويل، مع اداته المسيحية في وسط بيروت؟

ما تشهده بيروت حاليا حلقة من مسلسل انقلابي يصبّ في نشر البؤس في لبنان وتهجير اهله، خصوصا المسيحيين منهم. الأكيد أن لبنان في حاجة إلى حلّ لأزمة النفايات وإلى كهرباء وماء وحرب على الفساد. لكنّ ما هو اكيد اكثر، أنّه في حاجة إلى رئيس لمجلس الوزراء يمارس دوره والى وعي شعبي لواقع يتمثّل في أنّ هناك ميليشيا مذهبية تمتلك مشروعا خاصا بها للبنان وما يتجاوز لبنان. هذه الميليشيا، التي تقاتل في سوريا من منطلق مذهبي بحت، تستخدم الحراك الشعبي افضل استخدام لا لشيء، سوى لأنّ لديها حاجة إلى نشر الفقر والتعاسة والفوضى في بيروت، كلّ بيروت، وليس في وسطها فقط كي يستسلم اللبنانيون امامها. هل يستسلم اللبنانيون أم لا؟

ثمة حاجة إلى العودة قليلا إلى خلف وتذكّر ما كانت عليه بيروت، كي لا يستسلم اللبنانيون. فوق ذلك، ثمّة حاجة إلى دور قيادي يمارسه تمّام سلام الذي ربّما كان عليه أن يقول لمواطنيه ما على المحكّ وما الذي يحول دون ايجاد أي حلّ لأيّ ازمة مطروحة، بدءا بمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية… وصولا إلى النفايات.