– سفير سابق
تعيش البلاد حالة من النزاع بين الدولة وشعبها لم يشهد لبنان مثيلاً لها عبر تاريخه الطويل. فاحتجاجات الناس تشمل كل أصحاب الدخل المحدود في القطاع العام كما في القطاع الخاص. العمال والأجراء وتجمعاتهم يضربون. القطاع العام «عمّال الدولة» متوقف عن العمل. أساتذة الجامعة وقبلهم الأساتذة الثانويون والابتدائيون، إلى أرفع الوظائف العامة وأخطرها من عسكريين وقضاة. فالعسكريون، وهم من غير المعقول أن يضربوا، نابَ عنهم المتقاعدون يصرخون ويحذّرون ويتظاهرون ويعتصمون إلى حدّ قطع الطرقات العامة. أما القضاة فمضربون مع وصف تحرّكهم بالاعتكاف لياقة.
أمام هذا الوضع وبما انني سفير متقاعد، أتساءل أين صوت سفراء لبنان ودبلوماسييه؟ مَن منهم في الخدمة في الخارج يتعذّر عليهم لاعتبارهم قرينة لمفهوم السيادة الوطنية؟ أمّا من هم في الإدارة المركزية كما أعضاء «منتدى سفراء لبنان» فأين أصواتهم؟ أم أنّ قلّة عددهم التي لا تتجاوز العشرات أخفَت أصواتهم؟ أفلا يحقّ لهم المطالبة بمساواتهم وهم سلك مستقلّ كسائر أسلاك الدولة كالعسكريين والقضاة والأساتذة؟ فهذه الأسلاك الثلاثة تتمتّع بصناديق مستقلة تقدّم لهم خدمات جلّى.
من رواتب أرفع من رواتب الدبلوماسيين المتقاعدين، ومن صناديق تتغذى من مال الدولة لتؤمّن لهم الطبابة والتعليم والمسكن بنسَب تكاد تكون بنفس قيمة تكاليفها. كما يتمتّع هؤلاء بتعويض نهاية الخدمة تدفعها لهم صناديقهم تتفاوت حسب الرتبة إلى حوالى /500/ مليون. وهنا أسجّل بأنه من حقّ هذه الفئات ما تطالب به ليقيني أن مستوياتها الوطنية تحول دون مطالبتها بأكثر مما تستحق، لكنني أنتهز المناسبة للكشف عن أنّ سفراء لبنان ودبلوماسييه ليس لهم أية عطية من كرم الدولة. فهم يعودون إلى الوطن متقاعدين يخضعون لتعاونية موظفي الدولة كسائر الموظفين والمتقاعدين.
ولا بدّ أن أذكّر هنا بسلسلة الرتب والرواتب التي أقرّتها الدولة العام الفائت، ليس استجابة لحقوق الموظفين، بل قبل الانتخابات النيابية طمعاً بأصوات الناس وتحاشياً لمقاطعة الموظفين، واليوم تستقوي عليهم بأخذ ما أعطته بيد لتسترجعه باليد الأخرى! ولتأكيد ما أقوله أعود إلى ما كتبته في جريدة «النهار» العزيزة في 2/12/2012 بعنوان «سلسلة الرتب والرواتب طبخة بحص مشبوهة». هذا التاريخ عدتُ به إلى صيف 2011 يوم اعترف بحق الموظفين بالظلم بعد أن كان التضخّم المطرد منذ آخر عام 1996 قد قلّص القوة الشرائية للرواتب إلى نصف قيمتها.
أمّا توقّعي فلأنّ الحكومة التي كان يرأسها السيد نجيب ميقاتي اكتفت بالوعد حتى سنة 2018 بينما أعطت القضاة 110 في المئة أي أكثر مما كانوا يحلمون به، ودفعت لهم فوراً. وإذا تساءلنا عن مطالبة الحكومة فالجواب يعود لاعتراض الهيئات الاقتصادية ومن سوء حظّ الموظفين أنّ زعيمها الأكبر هو نفسه رئيس الحكومة. أما عن الكرم على القضاة فقد شرحته في مقال لي بجريدة «السفير» في 24/3/2012 بعنوان «بين السياسة والقضاء فساد وإفساد».
أنتهي من خلال ما كتبت لأفصح أنني ما زلت أعاني «القلة» في معيشتي وحتى لا أقول أكثر، ولن يحلّ أزمتي إلّا تذكير الدولة العلية بحق من خدمها العمر كله. أجل بمساواة الدبلوماسيين بغيرهم ممّن ليست وظائفهم أعلى شأناً منهم.
أمّا الطامة الكبرى في تجاهل الدبلوماسيين فتقع على عاتق «أمهم» وزارة الخارجية، إذ يبدو أنّ عروقها قد نضبت من الحنان حتى من أبنائها، وإلا فكيف يتناوب عليها ثلاثة من الوزراء كانوا من الزملاء السفراء. يبدو أنهم أمناء لمَن كان وراء توزيرهم فأعادوا له الأمانة والاكتفاء بكسب لقب «معالي» بدلاً من «سعادة».
أمّا الوزير الحالي فليته يطلّ على «عمّاله» في الوزارة بلفتة كريمة كما يجول في طول البلاد وعرضها مطمئناً الى أحوال الرعية.
ندائي أخيراً الى النواب حين يناقشون الموازنة، أو بعد إقرارها، أليس لكم أن تتذكروا مَن كسبتم صداقاتهم في الخارج؟ على أنني وبأعلى الصوت لا أستعطي منكم، بل أنتظر أن يزوركم الوعي بمسؤوليتكم عن تجاهل الحق.