Site icon IMLebanon

مَن يُمثِّل الأوراق البيضاء والمُلغاة والـ %51 المقاطعين؟

 

يشتـدّ الـخلاف يوماً بعد يوم، فالـمزرعة سائبة، وما بقيَ من خيـراتـها يتناتشهُ زعماء القبائل. الأقوياء استولوا على الأحصنة والغنم، والضعفاء يتقاتلون على الدجاجات والصيصان، والشعب «الـمعتّـر» يفـتّـش عن البيض الذي سقط سهواً خارج قــنّ الـمزرعة بعدما اجتاح الغرباء السياج وسيطروا على الـمحاصيل.
هذه هي مزرعة «الطائف» وهذه نتائـجها.

لا رأس يدير الـمزرعة ولا شعب يـحاسِب، بـل بسطاء يـتلهّون بالفتات وينتظرون مع زعمائـهم وصيّـاً جديداً يرعاهم. هذا هو حالنا، لاعبون شرسون يلعبون فـي الـملعب من دون حكَم. خناق وقتال وتعطيل المباراة، أي تعطيل البلد وتعطيل كلّ استحقاق دستوري، والتلويـح بالشارع، ومزيد من التدهور الاقتصادي والـمالـي والاجتماعي والبيئي.

تُـعتبـر مشاركة الـمواطنيـن فـي إدارة الشؤون العامة لبلدانـهم إحدى الركائز الأساسية لـحقوق الإنسان، وتُعتبـر الانتخابات الركيـزة الأساسية فـي عملية البناء الديـموقراطي، ولكنها غيـر كافية، إذ يتطلّب إجراؤها وعياً وإدراكاً من الناخبيـن، وضمان العديد من الـحريات الأساسية، ولا سيـما حرية الرأي والتعبيـر بكلّ أشكالـها، والتـي تُعتبـر حجر الأساس الذي يستند إليه النظام الديـموقراطي.

إذا كنا نؤمن بالديـموقراطية وبـحكْم الشعب لنفسه، فيـجب أن نقرّ أنّ الديـموقراطية هي حكْم الأكثـرية، (أيّ أكثـريّـة)، وقد تطوّرت إلى ديـموقراطية ليبـرالية كي تـحافظ وتـحمي حقوق الأفراد والأقلّيات.

إذاً، وعلى رغم عدم اقتناع معظم الفلاسفة فـي النظام الديـموقراطي واعتباره انتهاكاً للنظام الطبيعيّ الصحيح فـي أيّ مـجتمع، وذلك باختلاق مساواة اصطناعية بيـن أفراد هذا الـمجتمع.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الغرض الحقيقي من العملية الانتخابية، إذا لـم تفعل فعلها فـي هياكل السلطة وتؤثّــر فـي نوعية صنع القرار تجسيداً لإرادة الناخبيـن؟ أليس لِشكل النظام الانتخابـي ومدى ملاءمته الـمجتمع الناخب، وتقسيم الدوائر، وإجراءات الاقتـراع، وتكافؤ الفرص بيـن الـمرشّحيـن دوراً فاصلاً فـي نتائج الإنتخابات؟

وهل يـمكن اعتبار القانون الجديد الذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيـرة قد حقّق عدالة التـمثيل وصحّته لكي يتشاوف بعض رؤساء الأحزاب بأحجامهم وأوزانـهم؟ وكيف يـُمكن لقانون انتخابـي يقوم على أساس «النسبـيّـة»، أي تنافُس للأحزاب على الـمبادئ والبـرامـج، ويـغـيّب الـخطاب السياسي عن الـحملات الانتخابية وتُـنسَج تحالفات خاصة بكلّ دائرة انتخابية حتـى مع الـخصوم بـهدف تـحقيق مكاسب أكبـر؟

إنّ ما يكشف عيوب القانون، هو العثور على 38909 أوراق مُلغاة، و15029 ورقة بيضاء فـي صناديق الاقتـراع، وامتناع 51% من الشعب عن الاقتـراع لفقدانه الثقة بالطبقة الـحاكمة، وبقانون الانتخاب ونتائجه، ولاقتناعه الراسخ أن لا شيء سيتغيّـر. أمّا الفئة التـي اقتـرعت وتـحمّست وشكّلت 49 فـي الـمئة فقط من أعداد الناخبيـن، فقد سيّـرتها هواجسها وعصبـيّـاتـها الطائفية والمذهبية وخوفها على مصيـرها ووجودها، فالتجأت إلى مَن يحميها من العشائر الـمنافِسة.

يقول الرئيس نبيه بري «إنّ هذا القانون الانتخابـي بدل أن يزيد عدد الناس الذين ينتخبون قلّلهُ، لماذا؟ لأنّ الناس لا تريد هكذا قانون، هذا أول درس أنا تعلّمتهُ شخصياً، إن شاء الله غيـري يتعلّم من الدروس الثانية».

لقد اعتبـر ونستون تشرشل أنّ الديـموقراطية هي «أسوأ نظام عرفتهُ البشرية»، لأنـها قادرة على إنجاب أعتى الديكتاتوريات كما حصل فـي ألـمانيا مع أدولف هتلر، وفـي إيطاليا مع بـيـنـيـتــو موسولينـي، وأخيـراً فـي تركيا مع رجب الطيّب أردوغان.

أيتها الديـموقراطية، كَـم من الـمعاصي تُرتكَب باسـمكِ. ويا أيتـها «النسبـيّـة الـمُلبـنـنـة» التـي فُصّلْتِ على قياس البعض، كـَم من الشعارات رُفـعَـت من أجلكِ ومستغلّيـن اسـمكِ. أيـن الـمبادئ والبـرامـج والـمساواة وعدالة التمثيل وحـماية الأقلّيات وضمان تـمثيلها؟

إذا كان دستورنا يقضي بالـمناصفة بيـن الـمسيحيــيــن والـمسلميـن فـي تشكيل الـحكومة، فليس من الضرورة أن تـحتكر الأحزاب تـمثيل الطوائف، لأنّ الانتخابات أظهرت بوضوح أنـها لا تـمثّل كلّ الـمسيحيــيـن ولا كلّ الـمسلميـن.

عندما تُـصبح الـمناصب والوزارات حكراً عل الأحزاب الطائفية التـي أنتجها النظام الـهجيـن الـمغلّف بـما يُسـمّى «نسبـيّـة»، والتـي لا تُـشبه أيّ «نسبيّة» فـي العالـم، وعندما تُـصبح بعض الوزارات السيادية والـخدماتية «مُطوّبة» لـمذاهب وأحزاب «سوبر»، وأخرى لـمذاهب وأحزاب «مينـي سوبر»، أثبتت جـميعها فشلها وفسادها منذ أكثـر من ربع قرن، وعندما يكون هناك إصرار من بعض الكتل على عدم فصْل النيابة عن الوزارة من أجل إعادة وزراء الطبقة الـحاكمة على رغم استياء الناس منهم، ومن أجل إلغاء دور النائب فـي الـمحاسبة والـمراقبة والتدقيق، وعندما لا يكون هناك وجود للمستقلّيـن والاختصاصيّــيـن والـمفكّريـن وأصحاب الأيادي البيضاء والوجوه التـي توحي بالثقة فـي الـحكومة، فـهذا يعنـي أنّ الـحكومة ماتت قبل أن تولد، وسقطت وأسقطت معها العهد.