مقاربة مسيحية نقدية لـ«الميثاقية العونية»
من المتضرر الأول من مقاطعة «التيار» للحكومة؟
في الوقت الذي يتجه فيه العماد ميشال عون الى التصعيد السياسي عبر الاستمرار في مقاطعة الحكومة، بعد تعليق مشاركة «التيار الوطني الحر» في جلسات الحوار، يبدو أن ما ظهر من إرهاصات «جبهة مسيحية» مؤازرة له في مقاطعته الحكومية، مرشحة للتلاشي.
وبينما يمضي «الطاشناق» مع عون «على الحلوة والمرّة»، في الحكومة، ثمة ترجيح لعودة وزير «المردة» روني عريجي عن مقاطعة الحكومة، ما يشير الى احتجاج موضعي لا اندراج في التحرك العوني تحت شعار مظلومية «غياب الميثاقية» عن الحكومة.
ومع عودة وزير «المردة»، الذي علق مشاركته في الجلسة الحكومية الأخيرة، نزولاً عند رغبة حليفه «حزب الله»، وفي ظل تمثيل مسيحي «بالحد الأدنى»، على حد تعبير أوساط مسيحية، ينتقل «التيار الحر» الى موقع الدفاع، في انتظار الموقف النهائي لـ «حزب الله» الذي لم يحسم أمر تثبيت مقاطعته الحكومية، لأسباب سياسية متعددة بينها إلحاح حليفه الرئيس نبيه بري.
وبرغم وجود مقاربة مسيحية «ميثاقية» مقابلة لرؤية «الجنرال»، إلا أن ثمة إشكالية سياسية حالية بالنسبة الى التمثيل المسيحي، يشدد «التيار الحر» على استحالة تجاوزها لأسباب ميثاقية، وهي نقطة تعترض عليها أوساط مسيحية بقولها إننا لسنا أمام مشكلة ميثاقية في الحكومة اليوم، بل أمام إشكال سياسي بامتياز.
تستند الرؤية النقيضة لرؤية الرابية الى «الشرعية النيابية المسيحية» التي يحصل عليها ممثلو المسيحيين الباقون في الحكومة، والتي تبلغ 32 نائباً، الأمر الذي ترجم في مجلس الوزراء بثمانية مقاعد مسيحية من أصل 12 مقعداً. كما تستند هذه الرؤية الى ما تمخضت عنه الانتخابات البلدية الأخيرة من «إسقاط» لمقولة ان «التيار الحر» و «القوات» يمثلان 96 في المئة من أصوات المسيحيين، وهي انتخابات لم يمض على إجرائها سوى بضعة أشهر.
من هنا، ومع تسليم الجميع بأن قضية التمثيل المسيحي حكوميا تستوجب حلا ما، إلا أنه «من غير المنطقي نزع الشرعية عن التمثيل المسيحي في مجلس الوزراء والمغالاة في الحديث عن مظلومية مسيحية، إذ يجب حصر الموضوع في حدوده السياسية وعدم الحديث عن إشكالية قانونية لهذا التمثيل»، تقول الأوساط المسيحية نفسها.
ويقول أصحاب هذا الرأي إن مسألة الميثاقية يجب ألا يتم استسهال إثارتها لمجرد مقاطعة مكون طائفي ما للحكومة، وهي مقاطعة لم تأت بالتنسيق مع أحد، وليس خافيا على أحد أن ثمة اتفاقا عونيا مع «القوات» على أمر وحيد ألا وهو عرقلة وصول زعيم «المردة» سليمان فرنجية الى الرئاسة. لذا، فإنه من «المحرّم سياسياً» استخدام الميثاقية في اللعبة السياسية.
يذهب هؤلاء في مقاربتهم الى حد اتهام «التيار الحر» بافتعال اضطراب سياسي عبثي «سيصل حتما الى طريق مسدود، إذ، بالانسحاب من الحكومة كما من الحوار، يهدد «التيار» بنقل البلد الى حالة فوضى خطيرة في لحظة إقليمية ودولية لا يبدو أن هناك من يريد أن يسمع باسم لبنان ولو همسا».
يسأل هؤلاء: «هل من حق الجنرال إدخال المسيحيين في معركة بعنوان طائفي، لا بل في حرب طائفية، من دون التنسيق مع أحد»؟ يضيف المعترضون: «الميثاقية ليست كلمة تقال بل تعني التعايش الإسلامي ـ المسيحي، وهي تنتفي عندما يتغيب كل المسيحيين عن الحكومة لا فريق واحد أو مذهب بعينه».
ويضاف الى هذه الاسئلة سؤال الشارع «الذي لا يقتصر على حزب أو تيار، بل ان لدى كل فريق شارعه وبإمكانه استخدامه، ولكن أين يمكن أن يؤول ذلك؟». ثم «الى ماذا ستؤدي المقاطعة الحكومية؟ وكيف ستتم مناقشة مسائل جوهرية تهم المسيحيين»؟
يستعيد هؤلاء التاريخ الحديث للحكومات اللبنانية، ويستذكرون كيف ولدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واستمرت برغم فقدان المكون السني الاكبر أي «تيار المستقبل»؟ ويسألون عن الذي أدت اليه المقاطعة غير المجدية لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2006 في موازاة تظاهرات مليونية واعتصام مفتوح في وسط العاصمة، وبرغم ذلك لم يتمكنوا من تغيير قرار واحد من قراراتها»؟
يختم هؤلاء بالقول إن المسيحيين سيتضررون قبل غيرهم من مقاطعة الحكومة، «فالفراغ هو العدو الأول للمسيحيين، ومع غياب رئيس للجمهورية وتعطل الحوار، هل تتم التضحية بالحكومة التي تشكل العمود الأخير للمؤسسات في مرحلة إقليمية بالغة الأهمية؟».