قد يكون مستغرباً الحديث عن عمر حكومة ما، قبل أن تولد، لكنّ الطرح السائد انّ الحكومة العتيدة – إن ومتى شكّلت – هي حكومة العهد الأولى والأخيرة يَطرَح السؤال حول صدقية هذا التوصيف. فمن قال إنها ستعمّر حتى نهاية الولاية إذا نقل اليها المتخاصمون متاريسهم ونال أحدهم «الثلث المعطّل» فيها؟ وما الذي يبرر هذا الطرح؟
هناك من يعتبر المشاركة في الحكومة العتيدة «فرصة نادرة» لا تُفوَّت، وعلى من يرغب بالجنة الحكومية أن يقدّم الغالي والنفيس من أجل مقعد وزاري فيها، وإلّا سيُمضي ما تبقّى من سنوات العهد في مَطهر المعارضة.
كل ذلك يجري طبيعياً بلا اي نقاش عميق وجدي، وكأنّ الجميع يسلّم بأنها «حكومة العهد الأولى والأخيرة»، من دون الاعتبار بتاريخ الحكومات منذ الإستقلال. فالعودة الى مثل هذه الجردة تؤدي الى فقدان أثر لحكومةٍ عمّرت، أيّاً كانت الظروف التي جاءت بها وتلك التي منحتها العمر المديد، باستثناء حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي التي شُكلت في 30 نيسان 1984 في عهد الرئيس أمين الجميّل وعَمّرت لخمس سنوات وشهر حتى اغتياله في 1 حزيران 1989، فترأسها وزير التربية في حكومته الرئيس سليم الحص بمرسوم جوّال حتى 23 تشرين الثاني 1989، قبل ان يكلّف الحص بأولى حكومات الرئيس الراحل الياس الهراوي في 25 تشرين الثاني.
ففي ظل الاستقرار الداخلي الذي عرفته بعض العهود الرئاسية، فإنها لم تشهد ما نعيشه اليوم من تقلبات سياسية يمكن ان تقود الى انقلابات في أي لحظة.
فانعكاسات ما جرى وما هو متوقّع من تطورات على ساحات المنطقة والأزمة السورية تحديداً، يمكن ان تبدّد كثيراً من التحالفات القائمة، وخصوصاً تلك التي اهتَزّت ولم يتم ترميمها بعد بما يحفظ ديمومتها وفق معطيات ثابتة وفي الظروف الملائمة.
مَردّ هذا الحديث الى ما برز من عقد منذ تكليف الرئيس سعد الحريري مهمة التأليف، ولم تتضح العوامل الخارجية من الداخلية. وهو ما يعكس حجم التزامات بعض القيادات بالقوى الخارجية ومجاراتها الى حد التلاعب بعقول اللبنانيين وأعصابهم بلا ايّ رادع ولا داع، بل لمجرد توفير سبب داخلي يغلّف الارتباط الخارجي. فهو بذلك ينفي عنه اي تهمة قد توجّه إليه، غير آبه بما يمكن ان تؤدي إليه من انعكاسات سلبية. فالمواقف يمكن ان تتبدّل في اي وقت، وفق مقتضيات التسوية السياسية التي توفر المخارج لأي عقدة او إشكال.
على هذه الخلفيات، يتطلع المراقبون، عند استشرافهم لشكل العمل الحكومي وطبيعته في المستقبل، بقلق يُلامس إمكان تفكك الحكومة في ظل التضامن الهَشّ الذي ستوفره أي تشكيلة وزارية وفق التوازنات التي ستتكون منها. فحجم الإستحقاقات المقبلة في الداخل والخارج يُلقي بظلاله من اليوم على شكل التحالفات الحكومية التي يمكن ان تكون متقلّبة الى درجة لا يمكن التكهّن بها الآن. فالتوافق المفقود حول بعض القضايا الأساسية والملفات المطروحة لا يقاس سوى على «القطعة»، وما هو متوافر من توافق حول ملف النفايات لا يقاس بالتناقض في ملف الكهرباء، هذا عدا عن الملفات التي تعني علاقات لبنان بالخارج في ظل التحالفات الدولية والإقليمية الكبرى التي تعكسها مواقف اللبنانيين في الداخل.
وتأسيساً على هذه المعادلات، لا يبدو انّ الحديث هو منطقي عن عمر طويل للحكومة. فكل ما أنتجَته مرحلة التأليف من تجاذبات لن يطوى بسهولة، وما بَنته المكائد والمقالب التي رافقت توزيع الحصص والحقائب الوزارية لن تنسى ببساطة. فهناك من يعتقد أنّ المكونات الأساسية التي ستدخل الجنة الحكومية ستنقل معها متاريسها. فليس هناك ما يوحي بتشكيل فريق حكومي متجانس استناداً الى البديهيات السياسية والدستورية.
والتصرفات التي رافقت معالجة بعض العقد أثناء عملية التأليف التي لم تنته بعد، أنشأت أعرافاً لا تتلاقى والمفهوم الدستوري الذي أناط برئيس الحكومة مهمة التأليف بالتعاون مع رئيس الجمهورية، من دون ان تسلك طريقها الدستورية ما بين المؤسسات وفق الآلية الطبيعية احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات.
وهو ما عبّرت عنه الأشكال التي اتخذتها أزمة التمثيل المسيحي والدرزي، وصولاً الى آخرها المتّصِل بتمثيل «نواب كتلة 8 آذار» والتي خرجت على المفاهيم الدستورية.
وفي اعتقاد الذين يتوقعون التوصّل الى تأليف حكومة تفتقر الى التضامن الحكومي كيفما انتهت إليه عملية التأليف، انّ كل ما سبق لا يساوي ما يمكن أن يُنتجه حق الأطراف في تسمية من يمثلهم في الحكومة من دون العودة الى رأي الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية. فهي في شكلها ومضمونها وما يرافقها من مواقف وتصريحات تترجم آلية مُستغربة تكرّس موازين القوى خارج ما تقول به الصلاحيات.
وهو ما يرفع من القلق على قدرة الحكومة العتيدة في مواجهة المصاعب التي ستواجهها، في ظل فقدان التناغم المطلوب بين مكوّناتها، والذي لن ينتج تعاوناً، هو من مهمة فريق متجانس ما زال مفقوداً.