IMLebanon

من ينقذ سوريا ويحكمها؟

من حقيبة النهار الديبلوماسية

“الحقيقة الأساسية التي تفرض ذاتها على العملية التفاوضية السورية أن الصراع في سوريا ليس مجرّد صراع بين النظام والمعارضة وليس عسكرياً فحسب بل ان جانبه العسكري جزء من المشهد. وليس كافياً أن يتغلّب أحد الطرفين عسكريّاً على الآخر لكي يحكم سوريا ويقرّر مصيرها بقطع النظر عن أن الحسم العسكري لأي طرف بالغ الصعوبة والتعقيد. فمن يستطيع أن يحكم سوريا فعلاً

وأن يقرّر مصيرها يجب أن يربح في وقت واحد الحرب ومرحلة ما بعد الحرب وهي الاكثر أهمية وصعوبة. ولن يستطيع طرف واحد أن يربح الحرب ومرحلة ما بعد الحرب معاً استناداً إلى المعطيات والوقائع الحقيقية والموضوعية. فنظام الرئيس بشار الأسد يستطيع أن يواصل القتال ضد المعارضة فترة طويلة غير محدّدة ويلقى الدعم الكبير من حلفائه الروس والإيرانيين، لكن ذلك لن يحقّق له النصر لأنه فقد القدرة على أن يحكم سوريا فعلاً. فالحكم ليس القتل والتدمير بل القدرة على حل المشاكل الهائلة لسوريا وإنقاذها من الجحيم واعادة الحياة الطبيعية اليها وإعمارها وإخراجها من العزلة الواسعة والمؤثّرة الإقليمية والدولية. بل إن الأسد لن يستطيع تقرير مصير سوريا وهل تبقى دولة موحّدة أم تتّجه الى التفكّك والتقسيم. فالسلام الحقيقي الشامل وحده يحفظ البلد موحّداً ويعالج مشاكله وينهي المعاناة الفظيعة لشعبه ونظام الأسد عاجز عن انجاز هذا السلام”.

هكذا اختصر مسؤول أوروبي بارز في باريس الوضع وقال: “إن مبادئ حل الأزمة السورية المتفق عليها دولياً وإقليمياً تتطلّب من المعارضة تبنّي الواقعية والمرونة وسياسة التنازلات المتبادلة في المفاوضات مع النظام، كما ان هذه المبادئ المنصوص عليها في تفاهمات اجتماعات فيينا بين الدول المعنيّة مباشرة بالأزمة وفي قرار مجلس الأمن الأخير الذي يحمل الرقم 2254 تتطلّب خصوصاً انهاء نظام الأسد بتركيبته وتوجّهاته الراهنة من أجل العمل على قيام نظام جديد تعدّدي ديموقراطي يحقّق الاهداف والتطلّعات المشروعة لكل مكوّنات الشعب في رعاية الأمم المتحدة وفي إشراف الدول المؤثّرة” وبضغط منها.

وأوضح “أن المعركة الحقيقيّة الكبرى التي يخوضها نظام الأسد هي مع الشعب والمجتمع والبلد. وهذا ما تدركه سائر الدول المعنيّة. فمعركة النظام هي أولاً مع الشعب السوري وتكفي الأرقام الآتية المستندة الى معلومات الأمم المتحدة لتوضح حجم المأساة والتحديات الهائلة: فحرب النظام ضد شعبه المحتج شرّدت أكثر من 12 مليون سوري من منازلهم فباتوا لاجئين في الداخل والخارج، وجعلت 18 مليون سوري فقراء يحتاجون الى المساعدات الإنسانية، وأكثر من نصف السكان يعيشون تحت مستوى الفقر، إضافة إلى سقوط أكثر من 400 ألف قتيل ومليون جريح ومصاب. ومعركة النظام هي ثانياً مع المجتمع السوري الذي مزّقته الحرب البالغة الشراسة وضربت مكوّناته بعضها بالبعض وزرعت الأحقاد والكراهية بين أبنائه. وليس ممكناً اعادة توحيد الشعب وإحلال السلام الأهلي الضروري لضمان الاستقرار في ظل القيادة السورية القائمة المسؤولة الأولى عن تفجير الحرب وتصعيدها. ومعركة النظام هي ثالثاً مع سوريا ذاتها، إذ إن حربه ألحقت الكوارث بالبلد وفي كل المجالات وتسبّبت بدمار وخراب هائلين غير مسبوقين، منها تدمير أكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية إضافة الى المنشآت النفطية والصناعية والزراعية والمؤسّسات المدنيّة والعسكرية وآلاف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، الأمر الذي جعل المبعوث الدولي ستافان دو ميستورا يقول “إن الحرب أعادت سوريا أربعين سنة الى الوراء وهي تحتاج إلى أربعين سنة إضافية من أجل إعادة بنائها وإعمارها”. وتفيد تقديرات الخبراء الدوليين أن سوريا تحتاج إلى أكثر من 400 مليار دولار لاعادة بنائها وإصلاح الأضرار التي أصابتها ونظام الأسد ليست لديه الامكانات والموارد المالية الضرورية لتوفير الخبز والمواد الضرورية الأولية لمواطنيه بأسعار مقبولة ومعقولة، إذ انه خفض الدعم عنها”.

وخلص المسؤول الأوروبي إلى القول: “هذه الوقائع والأرقام تعكس حقيقة الصراع في سوريا وحجم مأساتها التي ليس لها مثيل في العالم العربي، وتظهر أن انقاذ البلد وتحقيق السلام والاستقرار فيه لن يتحقّق ما لم تتولَّ إدارة شؤونه قيادة سورية جديدة تكتسب شرعية حقيقية داخلياً وخارجياً وتعمل على تحقيق المطالب المشروعة لكل مكوّنات الشعب وتمنح السوريين من طريق انتخابات تعددية حرّة حق تقرير مصيرهم بأنفسهم وتحصل على دعم دولي وإقليمي كبير ومتواصل. وهذا الواقع يعكس المصاعب والتعقيدات والتحديات الجسيمة التي تواجهها العملية السياسية التفاوضية الهادفة إلى إنهاء الحرب وحل الأزمة”.