أيار 2017 الفرصة الأخيرة أمام «السلة» المنتظرة
كانت الانتخابات البلدية والاختيارية بمثابة حك للجرح السياسي. انجازها بهدوء ونجاح ساهم في تحريك ملف الانتخابات النيابية. وقبل أن يعلن البعض ترحيبه بإنجاز وزارة الداخلية للاستحقاق، كان آخرون يطالبونها بتقصير ولاية المجلس واجراء الانتخابات النيابية، تنفيذاً لتوصية المجلس الدستوري.
ومع اطلالة الاثنين المقبل، لن يبقى في الميدان الا قانون الانتخاب. لكن كل المؤشرات تشي بأن المراوحة المستمرة منذ سنتين غير قابلة للكسر، «فالاتفاق على قانون الانتخاب أمر صعب ومعقد»، كما قال الوزير نهاد المشنوق. وهذا كلام يسهل تأكيده من المتابعين لاجتماعات اللجان النيابية المشتركة التي لا تزال تدور حول نفسها، من دون أن تتمكن من إحداث أي خرق في الجدار السميك الذي يواجه فرص التقارب بين مختلف المكونات.
لا أحد قادر على بث التفاؤل بإمكان الاتفاق على قانون نيابي مشترك. ومبادرة الرئيس نبيه بري بلغت الحائط المسدود حالياً. فلكل من الحلول الثلاثة المقترحة ما يعيقه: عدم التمكن من الوصول إلى قانون توافقي، يعطّل اقتراح السير بانتخابات مبكرة على أن يليها انتخاب الرئيس، والأمر نفسه يسري على إمكان السير بـ «قانون الستين»، لأن لا أحد قادر على الإعلان جهاراً أنه يؤيده، أضف إلى أن إجراء انتخابات مبكرة على أساسه، لن يحل المشكلة، بل سيزيد تشبث «التيار الوطني الحر» بضرورة انتخاب الأقوى مسيحياً للرئاسة الأولى.
يسقط اقتراح تقصير ولاية المجلس وتبقى السلة الكاملة. سرعان ما يتبين أنها لو كانت ممكنة حالياً لكانت أنتجتها طاولة الحوار التي يتضمن جدول أعمالها أهم بندين في السلة الكاملة، أي الانتخابات الرئاسية وقانون الانتخاب.
أهل الحوار هم القابلة القانونية لأية تسوية لا الحكومة ولا مجلس النواب في غياب أية قوة خارجية ضاغطة. لكن أهل الحوار ليسوا قادرين حتى الآن على تقديم أي إنجاز فعلي سوى استهلاك الوقت تحت سقف استقرار الحد الأدنى، ما يعني أن الأمور ستبقى على حالها إلى حين الاصطدام بأيار 2017. حينها تنتهي السنوات الأربع التي مددها المجلس لنفسه، وحينها سيكون الجميع أمام آلة كشف الكذب، مجدداً.
نظرياً، إذا تمكن المجلس من الوصول إلى قانون انتخابي توافقي، فإنه من المفترض أن تجري الانتخابات على أساسه. لكن في الواقع، فإن دون ذلك أكثر من عقبة. في طاولة الحوار أعلن الرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة أنهما يعارضان إجراء الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية. من استمع إلى وجهة نظرهما، لم يكن قادراً على التغاضي عن حقيقة أن خوة من هذا النوع (إلا إذا تعهد الجميع بانتخاب الرئيس فور إجراء الانتخابات النيابية)، ستقود إلى أزمة دستورية يصعب تجاوزها، وهي تمدد الفراغ في سلطتين دستوريتين أي في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء.
تلك حالة إذا تحققت تفتح الباب أمام تعقيدات دستورية لا تعد ولا تحصى. لذلك، فإن الجميع يتفق ضمنياً على السعي إلى عدم تجرع هذه الكأس، باستثناء «الثنائي الماروني» الذي يركّز حالياً على إنضاج تصور مشترك للقانون الانتخابي، بعدما صارت الرئاسة محل اتفاق «تاريخي» بينهم. فهذا الثنائي، يطالب بانتخابات نيابية وفق قانون يحفظ صحة التمثيل، وينتخب على أساسه مجلس نيابي يمكنه أن يختار من يعبر عن الأكثرية الشعبية، إذا كان متعذراً انتخاب الأقوى في بيئته.
في المدى المنظور، لا أحد يملك الحل داخلياً، ولا أحد يملكه خارجياً. حتى الآمال التي عقدت مؤخراً على دور فرنسي ما في تحريك عجلة الاستحقاق الرئاسي انتهت مع إعلان وزير خارجية فرنسا تأجيل زيارته إلى لبنان، بما يعيد تأكيد غياب أي مسعي جدي لإضاءة قصر بعبدا في المدى المنظور.
أما في أيار 2017، فسيكون على الجميع مواجهة ساعة الحقيقة. إما انتخابات في موعدها وفق قانون الستين، وإما التمديد مجدداً للمجلس النيابي مع ما يعنيه ذلك، من سقوط لكل المحرمات، وهو أمر بحاجة إلى «انتحاريين» قادرين على تأييده علنا وفي الوقت نفسه، تسويق كذبة أن توقيع التمديد للمرة الثالثة «هو لمصلحة البلد». أما الخيار الثالث، فهو السلة المتكاملة، التي تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والحكومة والانتخابات النيابية قانونا ورئيسا، الاحتمال الذي يبدي كثرٌ ثقتهم بأنه سيفرض نفسه على الواقع السياسي اللبناني.. لأن أي بديل عنه ستكون له تداعيات خطيرة.