مع تفاقم الاحتدام الأمني عند الحدود اللبنانية – السورية، وعودة ملف العسكريين المخطوفين إلى نقطة الصفر.. لا يزال الفراغ الرئاسي الهاجس الأكبر الذي يخيّم على الداخل اللبناني، بانعكاساته الخطيرة على مصير الدولة.. لا بل لا يزال فريق 8 آذار يمارس الترف السياسي بالمناورة، بربط صفقة التمديد للمجلس النيابي بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، وإلا فليطير المجلس والرئاسة الأولى على حدّ سواء، دافعين بالبلاد نحو المجهول حيث تعتبر الحكومة في حكم المستقيلة، ويتم دق آخر مسمار في نعش ما يسمى بالدولة اللبنانية.
وعلى الرغم من مرارة خيار التمديد، خاصة لمجلس أثبت عبر الدورة الممددة عقمه السياسي وعجزه التشريعي، فذهبت وعود نوابه، المرشحين حينها، أدراج الرياح، فلا المرأة أُنصفت ولا القضايا العالقة حلّت، ولا القوانين أقرت، واقتصر عمل المجلس الذي مدّد لنفسه رغم فشله الذريع في أداء مهامه، ووقوع نوابه أسرى صراعات كتلهم ومواقفهم المتحجرة، على الاتفاق على اللااتفاق.. فلا نصاب ولا تشريع، والتوافق الوحيد قائم على التعطيل والمراوحة العقيمة.
إلا أن الخيار البديل ليس بالأفضل! فتفريغ الدولة من المجلس النيابي بعدما تمّ تفريغها من الرئاسة الأولى يضع لبنان ضمن لائحة الدول الفاشلة، أمام المجتمع الدولي، وذلك كما ينعت اللبنانيون دولتهم التي لم تنجح بتأمين أدنى مقومات العيش الكريم لمواطنيها! وبالتالي بين المرّ والأمرّ، لا بدّ من التحلي بالواقعية، واختيار المرّ حتى لا نخسر صيغة الوطن القائم حالياً على الحد الأدنى من التعايش الهش!
فمن يجرؤ على قذف البلد إلى الفراغ الكبير، وما هي الأهداف الحقيقية وراء إسقاط ورقة التوت عن دولة المؤسسات إذا كان لبنان محكوماً بالتوافق؟ إلا أن الأثمان الموضوعة للحفاظ على التوافق باتت فوق قدرة البلاد والعباد على التحمل، فضلاً عن أن التوافق فقد كل معانيه عندما بات يخضع لقواعد الكباش والاستقواء بالسلاح!
وإذا كان الهمّ الحقيقي هو الحفاظ على الوجود المسيحي من خلال الرئاسة الأولى، فان الجريمة ارتكبت بحق هذا المنصب وهذه الطائفة وهذا البلد في كل مرّة فُقد فيها النصاب في مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.. ويوم شرّع البعض لأنفسهم فعل الامتناع عن الحضور والتصويت كجزء من حقوقهم الديمقراطية!
إن الحراك الشعبي الذي يعترض اليوم على التمديد لا بدّ أن يتعظ من عدم الجدوى من الشارع، ونحن في اليوم الخامس والاربعين بعد المئة من دون رئيس، ولا من تنادي للتحرّك والتوافق والانتخاب!
وأين الديمقراطية من ممارسات الطبقة السياسية الحالية، وأين الشارع من الذين انتخبهم في يوم اعتقده نصر للديمقراطية، في بيئة تدفع الدماء الزكية لتحصيل بعض من حقوق اللبنانيين، والتي لم يعرفوا كيف يحافظوا عليها فضاعت منهم، واغتصبت وباتت سيفاً مرفوعاً بوجههم!
إنه زمن السياسة الرديئة وزمن الصفقات الوقحة.. وزمن التواطؤ الرخيص!