Site icon IMLebanon

من يترجم النصر العسكري الى هزيمة سياسية؟

قدر لبنان ان يصل الى النصر بالأسود. فرحة تحرير الجرود من الارهابيين ترافقها صدمة جريمتهم في قتل العسكريين المخطوفين. وما يعزي أهالي الشهداء وكل اللبنانيين المحزونين معهم هو ألاّ يذهب دم الشهادة هدرا. فلا شيء يكمل تحرير الأرض سوى تغيير الوضع اللبناني نحو الأفضل. ولا مجال لتجاهل ما يتخوف منه كثيرون، وهو خطر ترجمة النصر العسكري الى هزيمة سياسية. التحرير صنعه الجيش في جرود القاع ورأس بعلبك. والتغيير يبحث عمن يصنعه، وسط القلق حيال ان يكون الخيار الذي يمكن ان تفرضه علينا قوى وظروف وحسابات هو: الستاتيكو الحالي أو التغيير نحو الأسوأ.

وليس أمرا قليل الدلالات، استنادا الى كلام السيد حسن نصرالله، ان يصبح للبنان عيدان للتحرير: واحد من احتلال العدو الاسرائيلي، وآخر من احتلال العدو الارهابي التكفيري، مع بقاء أرض محتلة في الجنوب واستمرار خطر داعش والنصرة وخلاياهما النائمة في أكثر من منطقة لبنانية. تحرير الجنوب قاد الى قضم السلطة بالتدرج بدل أن يقود الى بناء الدولة. وتحرير الجرود يضعنا أمام تحديات مصيرية: إما أن يؤدي الى ضمان السيادة والامساك بكل حدود لبنان، وإما أن يصبح خطوة اضافية في فتح خارطة لبنان المرتبطة بالتحولات الجارية على خارطة المنطقة وصراع المحاور فوقها.

ومن الصعب، مهما يكن النصر مهمّا، أن تختفي الأسئلة في ظلّ الفرح والاعتداد بالقوة. وأبرز الأسئلة التي يطرحها كثيرون اثنان: لماذا، بعدما كان النصر الكامل في المعارك في اليد، جرى نقل مجرمي النصرة يتقدمهم ابو مالك التلي ومجرمي داعش يتقدمهم ابو السوس الى اماكن اخرى في سوريا من دون محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها او الاجهاز عليهم؟ ولماذا لم تدق ساعة المعركة قبل آب ٢٠١٤ أو بعد الهجوم الارهابي وخطف العسكريين؟

المساءلة حق، والمحاسبة واجب. لكن الخلط بين المساءلة والمحاسبة لمعرفة الحقائق وتعلم الدروس وتدفيع المخطئ ثمن اخطائه وبين تصفية الحسابات هو وصفة عملية لتحويل النصر العسكري الى هزيمة سياسية. فالمعركة تأخرت بالفعل. والاسباب المحلية التي تراوح بين حسابات القرار على المستوى السياسي ومتطلبات القرار على المستوى العسكري ليست سوى جانب من الصورة وقد يكون هامشيا. والجانب الاساس هو حسابات اللعبة الجيوسياسية الكبيرة في المنطقة. اذ دقت ساعة المعركة في الجرود على توقيت التطورات في حرب سوريا وحرب العراق والتركيز الروسي والاميركي على محاربة داعش كأولوية مطلقة.

والوقائع اكدت ما كان على الورق في الاجندات: ليس من السهل، وان كان من الضروري، تحييد لبنان عن صراعات المنطقة.