مع اقتراب العهد من إنهاء عامه الثاني، يبدو واضحاً انّه صار موضع استقطاب شديد وفرز حاد. خصومه المعلنون والمستترون يعتبرون أنّه أخفق في تحقيق وعود الإصلاح والتغيير، وظهر عاجزاً عن مواجهة الأزمات والتحدّيات التي تهدّد اللبنانيين، فيما يؤكّد «طهاته» ومؤيّدوه أنّه كان عرضة خلال السنتين الماضيتين لمكامن سياسية عدّة، بلغت أخيراً حدّ محاولة الاغتيال المعنوي في وضح النهار، ومع ذلك تمكّن من صنع إنجازات نوعية لن يطمسها ضجيج القنابل الصوتية.
وقد أتت الملابسات الغامضة التي رافقت سفر الرئيس ميشال عون من مطار بيروت الى نيويورك لتعزّز منطق معارضي العهد وداعميه على حدّ سواء. المعارضون وجدوا في «لغز» الطائرة الرئاسية وتداعياته على أرض المطار فرصة لمواصلة التصويب على عون والإيحاء بأنّ الناس يدفعون ثمن «ترف» سيّد العهد واعتباراته الأمنية وصولاً الى الاستنتاج بأنّ الهوة تكبر بينه وبينهم.
في المقابل، يرى فريق رئيس الجمهورية انّ «ما حصل شكّل دليلاً قاطعاً على الاستهداف المنهجي للعهد والسعي المستمر الى تشويه صورته عبر مجموعة من الإشاعات الموجّهة و»المواد السامة» التي يربط بينها خيط واحد، وكان من أحدث نماذجها – وفق محيط الرئيس- الترويج لكذبة انّ عون هو من بين أغنى السياسيين في لبنان، وأنّ الاجراءات المواكبة لرحلته الى نيويورك تسبّبت في انتظار المسافرين الى مصر ساعات طويلة.»
ويوحي أحد أركان فريق رئيس الجمهورية أنّ الحملة التي تعرّض لها عون بعد حادثة المطار كانت تعكس محاولة لـ»إسقاط» الطائرة الرئاسية بـ»النيران» السياسية والإعلامية، في تتمّة لمسار طويل من الاستهدافات المتنقّلة التي ترمي الى تحقيق هدف واحد وهو اغتيال صورة عون وسمعته. مشيراً الى أنّ هناك من يعمل لتحويل مكامن القوة المعروفة لدى عون نقاط ضعف عبر الكلام حول فساد مزعوم وهدر افتراضي بغية ضرب صدقيّته في معركة الإصلاح والتغيير التي يقودها «علماً انّ المعنيين في القصر الجمهوري يؤكّدون، على سبيل المثال، انّ عون مُقل بنحو لافت في المصاريف الرئاسية ولا علاقة له بمظاهر البذخ، وهذا يؤشر الى نمط سلوكه المختلف عمّا يروّج له البعض».
ويعتبر فريق عون أنّ ما جرى بالنسبة الى الطائرة الرئاسية «يتجاوز سقف التقصير الى حدّ الخرق الأمني الخطير الذي استدعى تحرّك مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس وزيارته شخصيّاً المطار للتدقيق في ظروف الخلل المفاجئ والمريب الذي وقع، خلافاً للمسار الطبيعي والمعتاد لرحلات رؤساء الجمهورية خلال السنوات الماضية».
وتفيد المعلومات انّ جرمانوس ما كان ليتحرّك لو لم تتوافر لدى مخابرات الجيش وقائع ومعلومات تستوجب تدخّله المباشر في هذه المسألة والتوسّع في التحقيق، خصوصاً أنّه ليس بسيطاً أن تنكشف تفاصيل الرحلة الرئاسية وتصبح مستباحة بهذا الشكل، في سابقة غير مألوفة تطرح كثيراً من علامات الاستفهام والتعجب، وفق ما يؤكّد المحيطون بعون.
وفي انتظار اتّضاح ملابسات الخلل اللوجستي – الأمني الذي رافق سفر رئيس الجمهورية الى مقرّ الأمم المتحدة، يلفت القريبون منه الى انّ النمط الآخر من التصويب المقصود على العهد يتّخذ شكل التهويل الاقتصادي والترويج لاحتمال الإفلاس وانهيار الاستقرار النقدي، بغرض تأليب الرأي العام عليه وزرع البلبلة في صفوفه، ما دفع عون الى طلب لقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على عجل قبيل رحلة نيويورك، إلاّ انّ سلامة لم يكن على السمع. كذلك اجتمع عون مع رئيس جمعيّة مصارف لبنان وبحث معه في الواقع المالي وطريقة تحصينه.
وعُلم أيضاً أنّ وزيراً محسوباً على عون حذّر ممثلي الهيئات الاقتصادية، خلال لقاء جمعه بهم، من مغبّة الخطأ في الحسابات واستخدام أوراق محظورة في اللعبة الداخلية، قائلاً: «أنتم تدعوننا دائماً الى إبعاد السياسة عن الاقتصاد، والمطلوب منكم أيضاً إبعاد الاقتصاد عن السياسة».
ويلفت فريق عون الى انّ هناك تفسيرين لـ»الهجوم المنظّم» على رئيس الجمهورية:
ـ التفسير الاول، السعي الى ليّ ذراعه في ملفّ تأليف الحكومة بهدف إخضاعه لطروحات البعض في الداخل والخارج، «ولكنّه لن يرضخ، بل انّ عزيمته تشتدّ تحت الضغط وهو مصرّ على أن تستند الحكومة الجديدة الى توازنات واقعية مهما علا الصراخ».
ـ التفسير الثاني المحتمل، تدفيعه ثمن مواقفه الاستراتيجية التي عاد وأكّدها في المقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، «مع الاشارة الى انّه ليس جزءاً من محور إقليمي إنّما هو يعبّر عن اقتناعاته في ما خصّ خيار المقاومة وقضايا المنطقة ونزاعاتها، والأكيد انه لن يتراجع عن ثوابته مهما عنفت الحملات المنظّمة عليه من مواقع التواصل الاجتماعي والسياسي».
ويؤكد المحيطون بعون انّ الرجل ليس وحيداً، وهو يرتكز في المواجهة التي يخوضها على تحالفاته القوية، واطمئنانه الى دور الجيش والاجهزة القضائية والأمنية، وتوقيعه الإلزامي الذي لا يمكن لأحد أن يتجاهله أو يتجاوزه، «ومن يظنّ انّه قادر على ابتزازه عبر حرب الإشاعات سيكتشف انّه يهدر وقته في ما لا طائل منه، بل انّ المردود سيكون عكسيا، إذ معروف عن عون انّه «يجوهر» في الظروف الصعبة التي تستخرج منه كلّ عناصر القوّة ولا تُضعفه».