1.2 مليون «دي أس أل» مقابل 960 ألف خط هاتف!
من يسعى لإنجازات وهمية في «الاتصالات»؟
من تحت الأنقاض التي ينوء اللبنانيون بثقلها «وبالرغم من كل الإحباط الذي يسود من حولنا»، «أضاءت وزارة الاتصالات شمعة في النفق المظلم الذي تمر فيه البلاد»، كما قال الوزير بطرس حرب أمس. لذلك كان من الصعب على حرب أن لا يخرج بمؤتمر صحافي يبشر فيه اللبنانيين بإنجازات لا تُعدّ ولا تُحصى تحققت في عهده وجعلت قطاع الاتصالات يقفز خطوات عملاقة، وجعلت لبنان يتفوق على الكثير من البلدان العربية المشهود لها بقدراتها التكنولوجية.
الإنجازات التي أعلن عنها حرب كبيرة، وهي تشمل الهاتف الثابت و»دي أس أل» والخلوي وسرعات الإنترنت والسعات الدولية المخصصة للإنترنت. وهي إنجازات تحققت في فترة لم تصرف فيها وزارة الاتصالات أموالاً على الاستثمارات، ما فسره خبير اتصالات على أنه نتيجة طبيعية لزيادة أعداد المستخدمين واستهلاكهم الإنترنت.
مصدر مطلع يتوقف ملياً عند الإعلان عن زيادة عدد المشتركين بالإنترنت من الهاتف الثابت 134 في المئة. ففي العام 2013 كان عدد المشتركين 480 ألفاً، لكنه في العام 2014 وصل إلى مليون و139 ألفاً و100 مشترك. الزيادة الهائلة هذه ليست من عنديات الوزارة، هي مسجلة في تقرير صادر من «الاتحاد الدولي للاتصالات»، مرفقاً بإشادة بالنمو الكبير في عدد المشتركين، والذي تخطى، بحسب التقرير نفسه، الإمارات العربية المتحدة، الأولى سابقاً.
اللافت للانتباه أن حرب أشار في المؤتمر نفسه إلى أن عدد مشتركي الهاتف الثابت وصل إلى 965 ألفاً و720 خطاً هاتفياً، فهل يعقل أن يكون عدد مشتركي الإنترنت على الهاتف الثابت أكبر من عدد مشتركي الهاتف نفسه؟
وفيما يؤكد، معنيون بالقطاع أن لا إمكانية تقنية لذلك، أضف إلى أن ثمة عدداً كبيراً من الخطوط الصوتية غير المشتركة بالانترنت، فإن الشكوك تتجه عند هؤلاء إلى تلاعب بالأرقام ابتغاءً لإنجازات غير واقعية، انطلاقاً من أن زيادة 652 ألف مشترك في العام 2014، تعني أن «أوجيرو» ركّبت 55 ألف خط شهرياً. ومع افتراض أن هذه الأرقام جاءت نتيجة «إرادة صلبة بالتصدي لواقع الاتصالات ومعالجته»، كما أعلن حرب، فيمكن حينها استبعاد إمكانية أن تكون الأشهر الثلاثة الأولى التي سبقت تولي حرب حقيبة الاتصالات قد ساهمت في زيادة النمو، بل على الأرجح كانت شبيهة بأرقام 2013، فهذا يعني أن عدد الخطوط التي رُكبت شهرياً يصل إلى 73 ألف خط. علماً أنه في الحالتين يبدو الأمر مستحيلاً تقنياً، خاصة أن قدرة «أوجيرو» لا تتخطى تركيب ألفي خط شهرياً.
النقاش هنا لا يطال مصداقية «الاتحاد الدولي للاتصالات» نفسه إنما من زود «الاتحاد» بالأرقام. يوضح مصدر مطلع عن قرب على قطاع الاتصالات أنه «من المعروف أن الاتحاد يقوم سنوياً بالطلب من الدول الأعضاء تزويده بالأرقام الإحصائية، وهو طبعاً لا يتحقق من هذه الأرقام ولا يتوقع تزويده بأرقام مغلوطة، لأن ذلك يمكن أن يعرض المتورطين للمساءلة القانونية، في معظم دول العالم».
ويعود المصدر بالذاكرة إلى الماضي القريب ليخلص إلى أن تزويد «الاتحاد» بأرقام مغلوطة ليس جديداً، إذ سبق أن اكتشف فريق الوزير السابق للاتصالات نقولا صحناوي أن إحدى الموظفات أرسلت إلى «الاتحاد» في العام 2012 معلومات تتعمد تخفيض تصنيف لبنان. وعلى الأثر وبعدما ثبت تورط الموظفة، تمت إحالتها على التحقيق، وأبعدت من الوظيفة، ثم أرسلت الوزارة قبل إصدار التقرير رسالة رسمية إلى الاتحاد توضح فيها وجود خطأ.
اللافت أن الموظفة نفسها عادت إلى وظيفتها مع وصول الوزير حرب إلى الوزارة، علماً أن ثمة من يؤكد أنها هي نفسها التي أعدت الأرقام الجديدة. خلاصة القول أن التلاعب بالأرقام ليس نظرية مؤامراتية ينسجها بعض «الحاسدين» إنما هي أمر واقع حصل سابقاً في الوزارة.
لكن مع ذلك يبقى السؤال، هل اختلقت هذه الأرقام من لا شيء؟ أم أنها كانت نتيجة طريقة احتساب غير شرعية؟ والأهم هل الوزير حرب مطلع عليها أم أنه كان ضحية المعلومات المغلوطة أيضاً؟ وماذا سيكون موقف لبنان أمام المجمتع الدولي عندما يتبين أنه أرسل إحصاءات مضللة؟
ثمة من يتوقع أن تكون هذه الأرقام قد أخذت بعين الاعتبار المشتركين بخدمات الكابل غير الشرعية، أو أن الأرقام لا تتعلق بأعداد المشتركين إنما بأعداد مستخدمي الإنترنت من الخط الواحد، كأفراد العائلة الواحدة على سبيل المثال.
وإذا كان الاحتساب في الاحتمال الثاني منافياً للأصول ولطبيعة الإحصاء، فإن طريقة الاحتساب الأولى، إذا كانت صحيحة، تشكل فضيحة، لأنه يُفترض بالوزارة أن تلاحق هؤلاء قضائياً لا أن تستغلهم لمصالح مختلفة، أضف إلى أن أحداً لا يستطيع التأكد من الأعداد الفعلية لمشتركي الكابل.
طبعاً ما سبق لا يلغي تحقيق الوزير إنجازات عديدة في قطاع الاتصالات، لكن ما لم يشر إليه الوزير في زحمة الأرقام أنه لا قيمة لأي رقم إذا لم يقترن برضى الناس عن الخدمات المقدمة، فهل أجرت الوزارة إحصاءً لتبيان الإنجازات الفعلية، أم أنها تعرف سلفاً أن الناس تملك مئة اعتراض على الأسعار ومستوى الخدمة، ولا سيما منها سرعة الإنترنت، بالرغم من أن «أوجيرو» تعاونت مع الوزارة في عهد الوزير الحالي كما لم تفعل منذ أربع سنوات.