Site icon IMLebanon

مَن يريد إفلاس لبنان؟

 

لا يعترف أيُّ طرفٍ سياسيّ بمسؤوليته عن الأزمة المالية والاقتصادية التي يمرّ فيها لبنان، فيما ليس منطقياً وبدون سبب أن يصل الدين العام إلى 86 مليار دولار ومعدل نموّ صفر بالمئة هذه السنة، وصولاً إلى شحّ الدولار في الأسواق، وارتفاع الطلب عليه نتيجة إجراءات اعتمدتها المصارف ومصرف لبنان لضبط عملية تسرّب الدولار في ظلّ انخفاض الاحتياطات الأجنبية وتراجع مستوى الودائع.

 

تتحمّل الطبقة السياسية مسؤولية الضيقة الاقتصادية والمالية التي يعيشها الشعب اللبناني اليوم، ولا يشعر أيّ مواطن بشفافية القيّمين على السلطة ولا بحسّ المسؤولية كاتّخاذ إجراءات متعلقة بخفض رواتبهم والمخصّصات العائدة لهم أو رفع الحماية عن الأملاك البحرية وسواها، بل أخذوا يبحثون عن إجراءات على حساب الموظفين وذوي الدخل المحدود، ولمّحوا بإجراءات غير شعبية بعضها يطال العاملين في القطاع العام لجهة تجميد الزيادة على الرواتب والأجور لمدة ثلاث سنوات وغيرها.

 

وما يؤلم أكثر تمادي هذه الطبقة السياسية بسلوكٍ يكثر فيه الجشع والفساد وسوء التصرف وانعدام الرؤية واللهو بالصغائر والخلافات الضيّقة والمحاصَصة، ممّا أدى إلى ضيقة مالية كبيرة نعيش فصولها خلال هذه الأيام.

 

من جهة أخرى، يقع جزءٌ من المسؤولية على الشعب الفخور «دائماً» بأداء زعمائه الممثلين في السلطة، وهو يعيد انتخابهم كل أربع سنوات من دون تردّد ويعطيهم أحجامهم وحيثياتهم واستمراريّتهم. ومسؤولية الشعب الذي ينوء تحت ثقل هذه الأزمة أن يتحرّك في الشارع قبل أن يصل إلى هذا الوضع السيّئ وغير المقبول، علماً أنّ عناوين عدة تستحق تضافر جهود مواطنين من كل الطوائف يجمع بينهم التمرّد ضد الظلم وفساد الدولة والنفايات والتلوّث والفقر والبطالة وغلاء المعيشة والإرهاب والمرض الخ. ولأنّ الشعب تقاعس ولم يتحرك فهو يتحمّل جزءاً من مسؤولية الواقع غير الطبيعي.

 

لكنّ ثمّة معلومات وشعوراً لدى بعض الخبراء الاقتصاديين بأنّ لبنان ليس على شفير الإفلاس، بل يعيش أزمةً اقتصادية ومالية يبقى جزءٌ منها (لا يقل عن 50 في المئة) مفتعلاً بحكم الأوضاع السياسية التي يمرّ فيها البلد في ظلّ تجاذبات الصراع الإيراني الأميركي في المنطقة. والتساؤلات عديدة:

 

لماذا تُطرح اليوم هواجس عن سعر الليرة وتثبيت سعر الدولار ولم يُطرح ذلك منذ ثلاثة أو خمسة أعوام؟ الوضع الاقتصادي والمالي في الماضي القريب لم يكن أفضل إلّا أنّ لبنان لم يشهد مثل هذه الأزمة!

 

هذا يؤكد كلام بعض الاقتصاديين على جهة تروّج لعملية الإفلاس بالتزامن مع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على «حزب الله» وحلفائه.

 

ويذكّر بعض الاقتصاديين بتهديد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله المصارف اللبنانية لضرورة عدم تطبيق القرار الأميركي بإغلاق حسابات «الحزب» أو الناس التابعين لبيئته الذي تعتبره واشنطن منظّمةً إرهابية، وقد طالب نصرالله آنذاك المصارف بمساعدة الحكومة على خفض التكلفة المرتفعة لخدمة الدين العام، مشدداً على أنه «واجبٌ وطنيّ وأخلاقيّ… وإذا لم تبادر المصارف فعلى الحكومة ومجلس النواب أن يتحمّلا المسؤولية في هذا الاطار».

 

علماً أنّ توريط المصارف له ذيول وعواقب وخيمة، وخصوصاً أنّ أكثر من 80 في المئة من الدين العام محمول من قبل المصارف اللبنانية ومصرف لبنان المركزي، ما سيؤدي إلى الانهيار التام للوضع في البلاد.

 

قد لا يريد «حزب الله» إفلاسَ لبنان، لكنه ربما يساهم في تعميم هذه الأجواء المتوترة التي تُنذر بالإفلاس والضيقة الاقتصادية للضغط على الحكومة، وإجبارها على اتّخاذ قرار يورّط المصارف في إطار صراعه السياسي مع الولايات المتحدة.

 

في المقابل، ليست هناك مؤشرات تدل على أنّ المجتمع الدولي والعربي يرغب في إفلاس لبنان، لكن من الواضح أنه يضغط على لبنان الرسمي لوقف انحيازه نحو المحور الإيراني السوري، فيما المحور الأخير يسعى إلى دفع لبنان كي يكون جزءاً لا يتجزّأ من محور الممانعة.

 

لكنّ كلمة «إفلاس» ليست سهلة لأنها تعني سقوط الكيان اللبناني. وبالمقارنة مع اليونان والأرجنتين وغيرهما، فهذه الدول تشكّل كيانات مكتملة لا تضمّ قوى داخلية متعددة ولا تضمّ ميليشيات مسلّحة ولا ولاءات منوّعة، فإن حصل إفلاسٌ اقتصادي في لبنان سيرافقه حتماً سقوط الكيان الموحَّد وعودة الدويلات، إذ سيسعى كل طرف الى أن يكون مسيطراً على منطقة نفوذه ومتحكِّماً بها، أو قد يؤدي الإفلاس إلى بروز القوة الأكثر اتّحاداً وتماسكاً في الدولة اللبنانية وهي الجيش اللبناني، فيمسك بزمام السلطة مع تشكيل حكومة تنكوقراط تنصرف إلى معالجة الأوضاع بالطريقة الصحيحة والمستقيمة.

 

في المحصلة، يحذر خبراء الاقتصاد من سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.