تعيش اسرائيل على المساعدات الخارجية، السياسية والعسكرية والمالية. تقدم هذه المساعدات دول، في مقدمتها الولايات المتحدة. وتقدمها شعوب مختلفة من خلال جمع التبرعات، ويحتل اليهود المقدمة. غير ان أهم المساعدات تلك التي تقدَّم الى اسرائيل من اشد الناس عداوة لليهود.
وقبل القفز الى أي استنتاج خاطئ فان هؤلاء الناس ليسوا مسلمين ولا عرب. انهم مسيحيون انجيليون أميركيون. قد تبدو هذه الصورة سوريالية، بعيدة عن المنطق. الا انها تجسد الواقع.
لقد تجاوزت تبرعات اليهود لاسرائيل في العالم 2015 ما يزيد على ثلاث مليارات دولار. ومثلها، أو أكثر قليلاً، هي قيمة المساعدات الرسمية الأميركية، والتي تطالب اسرائيل كل عام بزيادتها.
اما المساعدات التي تقدمها الحركة الصهيونية المسيحانية فانها لا تقتصر على المال فقط. ولكنها تشمل السياسة في الدرجة الأولى. وهي نوع من المساعدات التي تعوّل عليها اسرائيل في الدرجة الأولى.
يبلغ عدد أعضاء هذه الحركة داخل الولايات المتحدة 70 مليوناً. أما عدد أعضائها في العالم فانه يبلغ استناداً الى بياناتها المعلنة 285 مليوناً. تؤمن الحركة المسيحية الانجيلية بالعودة الثانية للمسيح. وتؤمن بأن لهذه العودة شروطاً لا بد من تحقيقها، وتؤمن كذلك بأن على المسيحي الانجيلي ليس انتظار تحقق هذه الشروط فقط، بل عليه العمل على تحقيقها.. لأنه كما تقول أدبياتها – يحقق بذلك إرادة الله.
من هذه الشروط ان المسيح لن يظهر الا في مجتمع يهودي، ولذلك لا بد من العمل على اقامة صهيون لتجميع اليهود. من هنا جاء اسم الحركة الصهيونية المسيحانية. ومن هذه الشروط أيضاً ان المسيح لن يعلن عن نفسه الا في الهيكل اليهودي كما فعل أول مرة -. ولذلك فانها تعمل على تمويل منظمات وجماعات تستهدف تهديم المسجد الأقصى لبناء الهيكل.
وعلى قاعدة هذه الاعتقادات تمول الحركة مشاريع الاستيطان اليهودية في الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وخاصة في القدس. وهي لا تفعل ذلك كرمى لعيون اليهود، ولكن من اجل عودة المسيح. ذلك ان هذه الحركة تؤمن بأن هذه العودة سوف تحقق سيادة المسيحية وحدها على العالم وتلغي كل ما عدا ذلك. وبالتالي فان كل الادعاءات الدينية الأخرى سوف تزول وتنتهي. أما الذين لن يلتحقوا بركب المسيح فان مصيرهم هو نار «هرمجيدون«.
وهرمجيدون في أدبيات هذه الحركة هي معركة حربية فاصلة بين الحق والباطل. وسميت كذلك نسبة الى سهل مجيدو الذي يقع بين القدس وعسقلان قرب مدينة حيفا، حيث يعتقدون انه سيكون ساحة المعركة.
وبموجب أدبيات هذه الحركة، فانه بعد تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل، سوف تقع معركة دموية يموت فيها الملايين من المسلمين واليهود.. وعندئذ يظهر المسيح ممتطياً سحابة بيضاء فوق سماء المعركة ويرفع اليه المؤمنين به لينجيهم من نيران هرمجيدون.. ثم ينزل معهم الى الأرض ليسود على يديه السلام في العالم لمدة ألف عام، يسمونها الألفية. وبعد ذلك تقوم القيامة.
قد تبدو هذه المعتقدات مجرد خرافات في القرن الواحد والعشرين.. ولكن عدد المؤمنين بها في أميركا وفي العالم يتجاوز 300 مليون. بينهم شخصيات سياسية وعسكرية ودبلوماسية أميركية مرموقة. وكان من بينهم الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الذي نقل عنه في مقابلة صحفية قوله :» أتمنى أن يكرمني الله بأن أضغط على الزر النووي، حتى تقع معركة هرمجيدون، وأساهم بذلك في العودة الثانية للمسيح «.
تتهم هذه الحركة الاسرائيليين بالتقصير في اداء المهمة من وراء تجميعهم في فلسطين. فتجميعهم ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو مجرد وسيلة للهدف الأسمى وهو عودة المسيح.
وقد حرضت هذه الحركة عناصر من مؤيديها لإحراق المسجد الأقصى وتدميره. ومن المعروف ان حريق المسجد في عام 1969 لم يقم به يهودي او اسرائيلي، ولكن قام به مسيحي صهيوني من استراليا. واستطاعت الحركة كذلك تحريض طيارين في سلاح الجو الاسرائيلي لقصف الاقصى، ولكن السلطات الاسرائيلية اكتشفت العملية قبل تنفيذها. وهي تقف اليوم وراء تحريض المستوطنين اليهود لاقتحام الأقصى، وتقدم لهم كل المساعدات والتشجيعات لذلك.
ومنذ عام 1980 انشأت هذه الحركة منظمة شقيقة لها تعرف باسم «السفارة المسيحية الدولية للقدس». ومهمتها دعم الدبلوماسية اليهودية في العالم وتشويه صورة الاسلام والمسلمين حتى يتقبل العالم الجريمة الكبرى التي يجري الإعداد لها بتهديم المسجد الأقصى بأقل رد فعل ممكن.. ولهذه «السفارة» مكاتب دائمة في العديد من عواصم العالم ومدنه الكبرى، يتولى الاشراف عليها مسؤول بصفة «قنصل». ومهمته العمل على جمع التبرعات لاسرائيل وللمشاريع التي تقوم بها الحركة في اسرائيل.. وعلى رأسها مشروع بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
ان كل مشاريع الاستيطان اليهودي في القدس التي تقررها حكومة نتنياهو تموَّل من المساعدات التي تجمعها هذه الحركة من الولايات المتحدة والعالم. وهنا أيضاً، فان دعم الاستيطان اليهودي ليس كرمى لعيون اليهود ولا محبة بهم، وتالياً ليس هدفاً في حد ذاته، ولكنه مجرد اداة لا بد منها لاكتمال شروط العودة الثانية للمسيح !!
ترفض كل الكنائس المسيحية الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية في العالم، وفي الولايات المتحدة ذاتها، هذه المعتقدات، وتعتبرها خارجة عن العقيدة ومشوهة لها.. الا ان الحركة الصهيونية المسيحية تزداد قوة ونفوذاً عاماً بعد عام.. والعالم العربي يكاد لا يعرف عنها شيئاً!!