وردت معلومات إلى دوائر دبلوماسية غربية وإقليمية مفادها أن جهات متضررة من التفاهم السعودي-الإيراني حول لبنان تعمل على إسقاطه في شوارع بيروت.
قال دبلوماسي متابع بدقة للوضع في لبنان إنه من حسن حظ اللبنانيين أن الخلاف الإيراني-السعودي على معظم الملفات في المنطقة لم يشمل الملف اللبناني، الذي شكّل تقاطعاً بينهما، والأهم أن هذا التقاطع قد أفضى إلى تحييد لبنان وترسيخ الإستقرار وتبريد المناخات السياسية، وإن هذا الوضع يُعتبر إنجازاً، لأن طبيعة التركيبة اللبنانية القائمة على التعددية، فضلاً عن الإنقسام العمودي القائم، كما وجود أكثر من مليوني لاجئ سوري وفلسطيني، كلّها تشكّل تربة صالحة لإنفجار الوضع، الأمر الذي لم يحصل نتيجة وعي اللبنانيين والحرص الدولي والسعودي-الإيراني على الإستقرار.
وكشف الدبلوماسي أن الإتصالات التي تولّتها إدارته مع عواصم القرار وتحديداً الرياض وطهران، أظهرت حرصهما على استمرار الإستقرار، حيث أكدتا عدم وجود أي تغيير في سياستهما حيال لبنان، وأن أولويتهما ما زالت تحييده عن أتون الحرب السورية، وأن القوى المتعاطفة معهما تعمل على ترجمة هذه السياسة على أرض الواقع.
وسردَ الدبلوماسي وقائع عدّة تؤكد على الحرص السعودي-الإيراني على الإستقرار:
أولاً، تمسُّك «حزب الله» بالحكومة، وقد أبلغ «الحزب» العماد ميشال عون أن دعمه المطلق له يقف عند حدود إستمرار الحكومة. وشكّلت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان والمواقف التي أطلقها وتحديداً من السراي، والتي أشاد فيها بالرئيس تمام سلام ودوره تأكيداً على الدعم الإيراني المطلق للحكومة، وبالتالي فإن أي محاولة لإسقاطها يُشكل رسالة لطهران قبل غيرها، فيما الرياض تحرص على استمرار الستاتيكو ومفاعيل التفاهم الذي ولّد حكومة سلام.
ثانياً، المبادرة الحوارية التي أطلقها الرئيس نبيه بري تحظى بتأييد إيراني واضح وحرص على توفير كل الظروف الملائمة والمساعدة لإنجاحها. وتوقيت إطلاقها يُشكل بحد ذاته رسالة مزدوجة: الرسالة الأولى بأن المؤسسات هي المساحة الوحيدة لمقاربة الملفات الساخنة ومعالجتها، وليس الشارع. والرسالة الأخرى بأن الإستقرار يُشكل خطاً أحمر. وملاقاة الرئيس سعد الحريري لمبادرة برّي وقبل أن ينتهي من إطلاق بنودها أبلغ رسالة على الموقف السعودي المؤيّد لهذه الدعوة.
ثالثاً، الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» الذي اهتزّ مع عواصف المنطقة في مناسبات عدة ولم يقع نتيجة الحرص على استمراره يُشكل رسالة بالخط العريض أن الفتنة في لبنان ممنوعة، وأن أكبر تيارين لدى السنّة والشيعة سيتصدّيان بشراسة لكل من يحاول جرّ لبنان إلى هذه الفتنة.
رابعاً، الدعم السعودي-الإيراني للمؤسسة العسكرية والقوى والأجهزة الأمنية، وخصوصاً الرياض، التي تلقّى منها الجيش أكبر دعم في تاريخه، يؤشر بوضوح إلى الرهان على القوى الأمنية على اختلافها في ضبط الوضع الأمني والحفاظ على الإستقرار.
خامساً، الغطاء الذي وفّره تيار «المستقبل» للقوى الأمنية من أجل استئصال الشبكات الإرهابية والدخول في مواجهة مع القوى المتطرفة داخل البيئة السنّية، يُشكل رسالة واضحة المعالم بأن هزّ الإستقرار ممنوع.
وقال الدبلوماسي إن كل الوقائع أعلاه تؤكد على ثبات السياسة السعودية-الإيرانية حيال لبنان، وشدّد بأن الحرص الدولي على الإستقرار في لبنان لا يقل عن الحرص السعودي-الإيراني، وذلك ربطاً بالعناصر الآتية:
1-المجتمع الدولي يُعلن في كل مناسبة أن الأولوية في لبنان هي للإستقرار على ما عداه من عناوين تتصل بالسيادة أو مواجهة سلاح «حزب الله»، والدليل أن هذا المجتمع تعامل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي اعتبرها فريق 14 آذار بأنها انقلابية وجاءت بقوة السلاح، وذلك من منطلق الحؤول دون تفجير لبنان.
2-المجتمع الدولي تمنّى على سلام عدم الإستقالة، ومواجهة التعطيل والظروف الصعبة والأزمات المتتالية بمزيد من الصبر الذي يتحلّى به، كما كرّر دعمه للحكومة واستمرارها.
3-المجتمع الدولي وفّر كل الدعم للمؤسسة العسكرية معنوياً وعملياً، والولايات المتحدة مدّت الجيش بمساعدات مفتوحة وغير محدودة.
4-المجتمع الدولي شجّع كل أنواع الحوارات، إن بين «المستقبل» و»حزب الله»، أو «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، أو الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس المجلس، ومردّ تشجيعه إلى أن الحوارات تشكل شبكات أمان داخلية.
5-المجتمع الدولي حريص على وضع اللاجئين السوريين، ويخشى بأن يؤدي أي انفجار في الوضع إلى دخول هذا الملف في أزمة جديدة ومستعصية على الحل هذه المرة.
6-المجتمع الدولي يخشى من أن يؤدي الإنفجار في لبنان إلى اندلاع حرب إقليمية مع إسرائيل مع إنهيار كل الضوابط التي تحول دون ذلك اليوم.
وأكد الدبلوماسي أن المجتمع الدولي والسعودية وإيران لن يسمحوا بتفجير لبنان، وأن النجاح الذي تحقق سابقاً من خلال إسقاط الإستثمار بالقوى الأصولية، لن ينجح اليوم عبر الإستثمار بقوى أخرى، خصوصاً أن الجميع في لبنان متهيّب للتطورات الأخيرة، وقد بدا لافتاً أن ما نقل عن تأييد الكنيسة للحراك الشعبي، جاء بيان القمة الروحية ليضع الأمور في نصابها، حيث أشار المجتمعون إلى أنه «مع تأكيدهم على حرية التعبير الشعبي في إطار الأنظمة المرعية، يعتبرون أن في اللجوء الى الشارع خطورةً، وبخاصة عندما تكون النفوس مشحونة والنيران تحيط بلبنان وتهدّده وتؤثر سلباً على الإستقرار فيه.
ولا بد من قراءة سليمة للأولويات، ووضع سلّم للخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة الأحداث والحاجات الحياتية والمعيشية والأمنية. وفيما يؤيدون المطالب المحقة للشعب والتعبير عنها، ولئن كان الضغط على الحكومة أمراً مشروعاً بالطرق الديمقراطية والحضارية، فإنهم يرفضون أن يتم ذلك بالعنف وتعطيل الحياة العامة».
وقال الدبلوماسي إنه من اللافت أيضاً أن كل القوى السياسية تقاطعت على رغم اختلافها على ضرورة استمرار الحكومة وترسيخ الإستقرار وتحصين الستاتيكو بانتظار أن تفضي التطورات الإقليمية إلى انطلاق مسار التسويات في لبنان والمنطقة، ونوّه بالعقلانية التي تتحلّى بها القوى السياسية مقابل بعض الطروحات التي لا تأخذ في الإعتبار دقة الوضع الحالي وحساسيته.
وتوقف الدبلوماسي باستغراب أمام دعوة لجنة المتابعة لـ «تحرّك 29 آب» في بيان حمل الرقم واحد الى «اعتصام حاشد في بيروت يوم 9 أيلول تعلن عن مكانه وزمانه لاحقاً، إحتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة»، وقال إن هذه الدعوة كافية لتأكيد ما يتم التخطيط والتحضير له لجهة إدخال لبنان في مرحلة جديدة أعلنت عنها صراحة اللجنة المذكورة، ما يؤشر إلى مخطط واضح يُطبخ في كواليس بعض الجهات.
وكشف الديبلوماسي عن إتصالات ديبلوماسية بين عواصم القرار لتطويق أي مسعى إنقلابي على الوضع القائم، بعدما أظهرت المعلومات وجود مخطط وتوجّه لإسقاط التفاهم السعودي-الإيراني حول لبنان، كما إسقاط الرغبة الدولية باستمرار الإستقرار، وأعلن عن خطوات قريبة لتحصين الوضع اللبناني، واعتبر أن هذا التحصين يُشكل تحديا سعودياً-إيرانياً.