لا تفسير حتى الآن في طرابلس للاحداث الأمنية المستجدة، التي بدأت تطل برأسها قبل نحو أسبوعين في بعض مناطق المدينة، لتذكّر بحقبة الفوضى التي سبقت انطلاق الخطة الأمنية، من رمي قنابل ليلية وإشكالات يومية تشهد إما تبادلا لاطلاق النار أو استخداما للسلاح الأبيض وتوقع قتلى وجرحى، إضافة الى إقفال طرق احتجاجا على توقيفات هنا أو هناك.
واللافت للانتباه أن الفوضى الأمنية السابقة كانت بفعل غياب الدولة عن طرابلس التي تحولت على مدار سنوات الى صندوق بريد ناري، فضلا عن عدم إعطاء الأجهزة الأمنية الغطاء السياسي المطلوب للقيام بواجباتها.
أما اليوم، فإن المدينة لا تزال تعيش في كنف الخطة الأمنية، وتشهد انتشاراً أفقيا للجيش وسائر الأجهزة التي اعطيت غطاء سياسيا للحفاظ على الاستقرار، وبرغم ذلك، تنامت الخروق وبدأت تشغل بال الطرابلسيين خصوصا أن هناك من يروج لإمكان اهتزاز الأمن مجددا في المدينة.
وما يضاعف هواجس أهل المدينة، هو أن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ الوعود التي أطلقتها حول تزامن الخطة الأمنية التي انطلقت في أول نيسان 2014 مع خطة إنمائية وتنموية شاملة.
صحيح أن العسكر أمسك بالمحاور وحصلت توقيفات، لكن لم تمح حتى الآن آثار جولات العنف العبثية، التي لا تزال تذكّر بأن طرابلس هي الخاصرة الأمنية الرخوة، وأن عدم وفاء الحكومة بوعودها بإعادة الاعمار يجعلها حاضرة للاستخدام عندما تدعو الحاجة السياسية لذلك.
هذا الواقع يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: من يريد إعادة توتير الوضع الأمني في طرابلس؟ وما هي مصلحته أو أهدافه؟ وهل ما يحصل من خروق هو مقدمة لتطورات أمنية أكبر مستقبلا تزامنا مع بعض التطورات الاقليمية؟
وهل هناك من يريد أن ينهي صلاحية الخطة الأمنية مستفيدا من الصراعات السياسية داخل وخارج الحكومة، أم أن المسألة مرتبطة بمناسبات معينة أبرزها الذكرى الثالثة لتفجيري مسجدي التقوى والسلام، وبالتالي محاولة استدراج طرابلس الى فتنة جديدة، أم أن بعض المتضررين من الاستقرار يحاولون إعادة عقارب الساعة الى الوراء لاستعادة نفوذهم الذي لا يكبر إلا في زمن الفوضى؟
والأهم، أين الأجهزة الأمنية من كل ما يجري؟ وكيف يمكن لـ «خفافيش الليل» أن ينجحوا في رمي القنابل اليدوية في مجرى نهر أبو علي في ظل الانتشار العسكري الأفقي في هذه المنطقة؟
وما يزيد الطين بلّة في طرابلس، هو ما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي عن حركة «حماة الديار» وعما تقوم به من تسليح ومن تدريبات عسكرية في كل المناطق اللبنانية وفي طرابلس، بهدف الدفاع عن الجيش ومساعدته على مواجهة الإرهاب، حيث تتنامى الاعتراضات في المدينة على وجود هذه الحركة.
ولا تتوانى بعض الجهات الناشطة شعبيا عن إطلاق تهديدات باستهداف عناصر وأفراد حركة «حماة الديار» التي ردّ أحد مسؤوليها بتهديد أكبر عبر رسالة صوتية على مواقع التواصل، الأمر الذي يضاعف المخاوف من إمكان حصول مواجهة في الشارع بين عناصر الحركة وبين المعترضين عليها.
وتواجه طرابلس التي جاهدت منذ انطلاق الخطة الأمنية من أجل كسر الصورة النمطية، ومحو آثار جولات العنف والتوترات الأمنية فيها، صعوبات بالغة في إعادة فتح أبوابها أمام الزوار، ما يعني أن أية توترات أمنية جديدة قد تشهدها، سيكون لها تداعيات كارثية، وستعيد كل الأمور الى نقطة الصفر.
وكانت طرابلس شهدت منذ نحو اسبوعين تناميا في الاشكالات الأمنية في بعض مناطقها، وترافق ذلك مع عودة مسلسل رمي القنابل اليدوية في مجرى نهر أبو علي وفي مقهى في الميناء وعند مستديرة الملعب البلدي.
وبحسب التقارير الأمنية فإن الاسبوع الفائت شهد أربعة إشكالات تخللها إطلاق نار أسفرت عن جرح عدد من الأشخاص من بينهم طفلين، فضلا عن عدة إشكالات استخدم فيها السلاح الأبيض وأوقعت قتيلا في الزاهرية وعدد من الجرحى.
وتقول مصادر أمنية لـ«السفير» «إن الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها على أكمل وجه، ولديها غطاء سياسيا واسعا للقيام بكل ما من شأنه أن يحصّن أمن واستقرار طرابلس، وهي تراقب وتلاحق كل المخلّين بالأمن، وهي أوقفت خلال الاسبوع الفائت كل من ثبت تورطهم بالاشكالات الأمنية وإطلاق النار، وقد أحيلوا الى القضاء المختص».