IMLebanon

مَن فوجِئ بـ«نَفَس» بيان «روما 2» كان غائباً عن لبنان!

ليس مفترَضاً أن يُفاجَأ أيٌّ من المسؤولين اللبنانيين بمضمون البيان الختامي المشترك بين لبنان والمؤتمرين في روما، خصوصاً تأكيده مضمون القرارات الدولية ومنها القراران 1559 و1701 أيّاً كان موقف بعض اللبنانيين منهما. وعليه، فإن شكّل البيان مفاجأة لأحد فهذا يعني أنه كان غائباً عن بيروت منذ سنوات. فما الذي يؤكّد هذه النظرية؟

ملّ العالم ومعه ممثلو الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والموفدون الدوليون الى لبنان ومجموعة السفراء المعتمَدين في بيروت وهم يُذكّرون اللبنانيين بمضمون القرارات الدولية، ولا سيما منها تلك التي أعقبت تفاهم نيسان 1996 ومنها القرار 1559 الذي تحدّث عن تفكيك الميليشيات وسحب الجيش السوري، والقرار 1701 الذي حظّر اقتناء السلاح أو نقله من الاراضي اللبنانية واليها من غير القوى اللبنانية الشرعية.

ولا يغفل أحد أنّ مهمة القوات الدولية المعزّزة التي انتشرت في الجنوب بعد اسابيع قليلة على وقف العمليات العسكرية في 12 آب 2006 قد اكّدت مضمون هذه القرارات وشدّدت على تنفيذها.

فالجميع يتذكّر أنّ القرار 1701 لم يتحدث عن وقف جديد للنار بمقدار ما أكّد على مبدأ وقف الأعمال الحربية على طول الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وضبط الحدود والمعابر البرّية والبحرية والجوية. وهو الذي أضاف للمرة الأولى الى نواة القوات الدولية البرّية بعد رفع عديدها مرتين مجموعة القوة البحرية التي كُلّفت حماية المياه الإقليمية وتفتيش السفن ومنع نقل الأسلحة والممنوعات من موانئ لبنان واليها.

وهو ما لم يتحقّق حتى اليوم على رغم مرور 12عاماً على القرار وصدور عشرات التقارير عن موفد الأمين العام للأمم المتحدة الى لبنان الذي يحصي المخالفات لمضمونه كل ستة أشهر، ويعيد التذكير بما التزمت به الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي اكتفت الى اليوم بالتأكيد على هذه المبادئ في بياناتها الوزارية بنصّ يُنسخ من بيان الى آخر.

والى هذه المبادئ، التي حرص عليها المجتمع الدولي، شدّد الموفودون الدوليون الذين زاروا لبنان في المرحلة الأخيرة على أهمّية التزام الحكومة سياسة «النأي بالنفس» ومنع القوى اللبنانية من استمرار تورّطها، ليس في الأزمة السورية فحسب، بل في مختلف الأزمات العربية من المحيط الى الخليج.

وكل ذلك على اساس أنها من صلب متطلّبات الرعاية والغطاء الدوليين اللذين يحظى بهما لبنان منذ أن انفجرت الأزمة السورية قبل سبع سنوات، وخصوصاً في المرحلة التي اقتربت فيها المخاطر الجدّية وبدأت الإعتداءات على القرى اللبنانية المحاذية للأراضي السورية على طول الحدود الشمالية والشمالية ـ الشرقية مع سوريا قبل غزوة عرسال والتلال المحيطة بها.

وقبل فترة، وعند تجديد المجموعة الدولية من أجل لبنان دعوتها الى مؤتمر «روما 2» ومن بعده الى «سيدر واحد» و«بروكسل 2» لفت المجتمع الدولي الى أهمية تجاوز أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض بعد أن أبدى عدد من الدول تفهّمه للأسباب الداخلية التي قادت اليها والتي هدّدت وحدة الحكومة والحدّ الأدنى من تضامنها.

وأجمع المجتمع الدولي على أهمية تأكيد سياسة النأي بالنفس شرطاً أساسياً لتعزيز كل أشكال الرعاية الدولية ومنع انزلاق لبنان أو استخدام أرضه مطيّةً لأيّ قوة داخلية أو خارجية ترغب توتيرَ الوضع فيه. وبعدم السماح لأحد بنقل أيّ مظهر من مظاهر التفجير من سوريا مقابل أن يبقى المجتمع الدولي في موقف الداعم لتجاوز الأزمات الإقتصادية ومنع انهياره وضبط حدوده بأفضل الوسائل وأقلّها كلفة تحت رعاية الأمم المتحدة.

وعلى هذه الأسس بُنيت المواعيد الخاصة بالمؤتمرات الثلاثة فجاءت انتصاراتُ «فجر الجرود» وما أثبته الجيش اللبناني فيها من قدرة عالية على ضبط الوضع الأمني الى جانب التدابير التي اتّخذها لإنهاء البؤر الأمنية من طرابلس الى شرق صيدا والبقاع الشمالي ـ الشرقي.

ومعه إنجازات الأجهزة الأمنية الأخرى التي أتقنت العمل الأمني الإستباقي في تعطيل وإبطال العمليات التي كانت تحضَّر له في اكثر من منطقة لاستدراجه الى الفتنة، عدا عن الجرائم التي اكتشفتها في ساعات قليلة لتعزّز أسبقيّة مؤتمر «روما 2» على المؤتمرات الإقتصادية والنازحين وصولاً الى مساعدة لبنان على تجاوز تداعياتها.

وإذا كان العالم ما زال ينتظر التزامَ لبنان سياسة «النأي بالنفس» شدّد البيان الختامي لمؤتمر روما على صيغة «بيان مشترك» بين الحكومة والدول المشارِكة في المؤتمر ليقول كلمة الفصل في ملفات سياسية أبرزها الإنسحاب من ازمات المنطقة والعودة الى الداخل وتفكيك الميليشيات، وإلّا لن يكون هناك دعم يتجاوز الحاجات اليومية للجيش والقوى الأمنية.

علماً أنّ العالم يفهم أنّ لبنان ليس العراق ليفكّك ميليشياته بشخطة قلم شيعية. وعندما يصل الأمر الى المعونات الإقتصادية سيظهر أنّ الشروط المطلوبة هي هي ولن يكون هناك دعم غير مشروط ما لم تلتزم الحكومة هذه القواعد.

وعليه لن يكون الحديث عن موازنة شفافة عابراً لعواطف الدول الغربية. فحكوماتها تفهم في اصول الموازنات ولا تنطلي عليها الخزعبلات السياسية والمالية وما لم يؤكّد لبنان صدقيّته في توفير ما التزم به مالياً وأمنياً لن يكون له سوى الحدّ بحدّه الأدنى عسكرياً ومالياً، وما لم يفهم هذه اللغة ويريد رفضها على طريقة «عنزة ولو طارت» فمن المؤكد أنه كان غائباً عن لبنان وهو يعيش في عالم آخر، والى أن يعود الى لبنان قد يُفاجَأ بما تغيّر!؟