Site icon IMLebanon

من سيُكمل مسيرة آل كرامي؟

أثبتت عاصمة الشمال، في مشهد مهيب، أنها وفية لابنها عمر كرامي على رغم الانقسام في الولاء السنّي الذي تشعّب إثر الاحداث الاخيرة فتوزّع على القادة السنّة الجدد في طرابلس. فأبعدَ الواقع السياسي الجديد صورة آل كرامي عن المشهد السياسي الطرابلسي الحديث، فخَفت نجم العائلة إلّا انّ الموت حق وهو عاد اليوم من جديد ليرسّخ القديم واقعاً وحاضراً.

حَشد أمس أهل طرابلس لمواكبة جثمان الراحل عمر كرامي في مشهد وفاء للتضحيات الوطنية الكبيرة التي قدّمها رجل الاستقلال الكبير الراحل عبد الحميد كرامي، وليقولوا انهم لعائلته ولأصوله ولنسبه أوفياء.

تصافح في جنازة عمر كرامي الخصوم والحلفاء، واجتمعوا تحت سماء الفيحاء مستذكرين الراحل الذي وصف باعتداله ومسالمته ووطنيته وحتى خفّة ظلّه. وعلى رغم عدم اعترافه ولَو لمرة واحدة بأحقية خلافة الزعامة السنية الطرابلسية لأيّ شخصية سنية أخرى، إلّا انّ زعامته واسمه لا يزال ثقلهما يهزّ الشارع الطرابلسي، والدليل الحشود المؤيدة وغير المؤيدة لنهجه التي أتت وشاركت وبَكت في يوم وداعه.

أبرز التساؤلات أثناء التشييع وأهمها: مَن سيُكمل مسيرة عبد الحميد ورشيد وعمر كرامي؟ هذا الثلاثي الثقيل الذي لم يستطع أحد من آل كرامي حتى اليوم مقاربته، فطرابلس فقدت زعيماً وأثبتت أمس انها على رغم عدم انطوائها تحت السقف الكراميّ في الأزمات الاخيرة، وعلى رغم الاصطفاف السني الجديد للقادة السنّة الجدد، إلّا انّ عاطفتهم تبقى مترسخة في جذورهم القديمة، وانّ وفاءهم لرجل القضية والاعتدال ورجل الاستقلال الراحل عبد الحميد كرامي باقٍ، وقد دفعهم للمشاركة العلنية أمس فلم يتمكنوا من كبت رغبتهم بالمشاركة في الصلاة والتشييع.

ومع رحيل الرمز المهم من العائلة الكرامية، يتساءل المواطنون الى مَن تحتاج طرابلس أكثر في ظل الاسلام السياسي الجديد والمناخات الطرابلسية الدخيلة والمتشددة؟

والسؤال الأبرز في الشارع الطرابلسي اليوم هل سيتمكن فيصل من ملء هذا الفراغ أم ستحاول العائلة مجتمعة إكمال المسيرة بعدما طبعها الراحل الكبير عبد الحميد كرامي بطابع البطولة والجرأة والاقدام والاعتدال والنصر؟ وما هو مصير هذه العائلة بعد رحيله ومَن سيخلف الامانة وسط التنافس الأقرب للتنافر، حسب المقرّبين، بين ولديه خالد وفيصل.

خانت الدموع معن كرامي الشقيق الاكبر للراحل، عندما تلقّى اتصال التعزية الأوّل، فكان متأثراً وكأنّ موت عمر فتح جروحاً في ذاكرته عن والده وشقيقه. فغرق بدموعه في طريقه الى بيروت لمواكبة الجثمان، وقال للمحيطين به: «بوفاته خسرتُ أخي وشريكي في هذه الدنيا، وأشعر بحزن لا يوصف».

لم يكن من مجال للحديث عن السياسة والزعامة والخلافة الموعودة عند الرجل، فتصرّف معن بإيمان وصبر وحكمة لكونه المؤتمن الحيّ على إرث البيت السياسي وهو الأخ الأكبر وإن كان قد تنحّى بإرادته في العام 1987… ليسجّل عام 2012 موقفاً متشدداً من توزير فيصل في مساءلته الشهيرة لشقيقه «ماذا فعلت يا عمر؟». ولكن في لحظة الوداع أمس كان تأثّر معن شديداً، وبَدا كأنه صمّام الأمان بين خالد وفيصل.

السياسة والنساء

في التاريخ أدّت المرأة دوراً بارزاً في المفاصل الاساسية لزعامة آل كرامي، ودورها مستمر حتى اليوم لا بل تعاظمَ مع رحيل عمر كرامي. فزوجة عبد الحميد يمن علم الدين رجّحت كفة ابنها رشيد على كفة عمه مصطفى وكَرّست الزعامة لرشيد سنوات طويلة.

ويعزو البعض قرار عمر توريث فيصل لرغبة زوجته مريم، فيما يهمس البعض من داخل المنزل انّ حماسة خالد للزعامة مصدرها زوجته ديانا كرامي، في حين انّ تركة آل كرامي ليست إقطاعية بالمطلق وقد تضيع في ظل هذا الواقع العائلي.

سنّية عمر كرامي لم تنعكس طائفية ومذهبية بل اتّسَمت بالاعتدال، كما انّ عروبته لم تتناقض مع وطنيته وهو سليل بيت وطني عريق، وهذا ما تحتاجه طرابلس اليوم لتوقف الانحدار الهائل كما الفراغ السياسي الهائل.

وكما انّ طرابلس مدينة شرقية عريقة اتسمت بالأصالة لها نكهتها الخاصة، كذلك زعامة آل كرامي لها نكهة مختلفة في السياسة، وإن كانت قد أوصلت وزراء ونواباً ورؤساء حكومة. تبقى طرابلس تشبه الى حد كبير آل كرامي أو هم يشبهونها، وكأنّ الأمر طبيعيّ ان يهبّ أهلها بكافة انتماءاتهم لاحتضان عمر كرامي في مثواه الاخير بِفَرَق النوبة، فيما يتّصف رجال آل كرامي بأنهم أشداء وسريعو الغضب على انهم عاطفيون جداً ونكتهم حاضرة.

المشاركون في جنازة الراحل الكبير عمر كرامي من السياسيين ومن باحة المسجد المنصوري استذكروا خفّة ظله ونكته الحاضرة. وحتى خصومه، كمثل الرئيس السنيورة، تأثّروا أمس ودَمعت عيونهم !

إلّا انّ الزحمة السياسية أمس من الشخصيات الرسمية والسياسية قابلها غضب مخفيّ عند أهل طرابلس وتساؤل للبعض الآخر همساً: أين كان هؤلاء عندما غَزا التطرف الأعمى طرابلس؟ فيما ترك عمر كرامي برحيله الابواب مشرّعة على احتمالات كثيرة للوراثة السياسية؟ وما مصير البيت السياسي؟ وهل تقضي الخلافات العائلية على نضالات الاستقلال؟

أسئلة كثيرة واستحقاقات برسم العائلة، وإن كانت طرابلس قد قالت كلمتها وأبدَت رغبتها أمس ببقاء العائلة السياسية الأبرز واستمرارها… وبالتالي، فإنّ العائلة أمام تحد جدي للبقاء، ومهمة الأخ الاكبر للراحل معن كرامي شاقّة للغاية إن لم يتطلّب الأمر تضحيات منه مجدداً لكونه الوحيد الباقي من أبناء عبد الحميد كرامي.