هناك انطباع واضح داخل تيار «المستقبل» هو أنّ الكتلة الفضفاضة والأكبر في المجلس النيابي، التي صُنِعت في انتخابات 2009، وما تزال صامدة بفعل التمديد 3 مرات، غير مؤهّلة للاستمرار في 2018. لكنّ السباق اليوم دائر بين عدد من القوى، من هنا وهناك، على اقتسام الحصص من هذه الكتلة.
ليس سرّاً أنّ الكتلة الحريرية مقبلة على التقلّص. وقبل أيام، أعلن الدكتور مصطفى علّوش، أحد أبرز الوجوه «المستقبَلية»، أنّ التيار سيخسر عدداً من المقاعد في المجلس النيابي المقبل. وقانون الانتخابات النسبي، بتقسيماته والصوت التفضيلي، له دوره الأساس في هذه الخسارة.
أساساً، لم يكن الحريري راضياً عن القانون، كما «التيار الوطني الحرّ». فطموحات التيارَين أكبر منه. لكنّ ضغط اللحظات الأخيرة في غابة الأفكار
والمشاريع الانتخابية فرَض ولادة «قانون العَجَلة» الذي بقي كثيرون يطمحون إلى تبديله قبل «تجريبه» للمرة الأولى.
لذلك، أعلن الوزير جبران باسيل، فور إقرار القانون، أنّ هناك تعديلات أساسية وثانوية يجب إدخالها عليه قبل التطبيق. وهذا الكلام منح الحريري «أملاً»، إما في التمديد مجدّداً للمجلس «حتى يخلق الله ما لا تعلمون»، وإما في إدخال تعديلات تُحسِّن من نتائجه لمصلحة «المستقبل».
معظم خبراء الانتخابات أبلغوا الى الحريري يومذاك أنّ إجراءَ الانتخابات بهذا القانون (وفق المعطيات السياسية التي كانت سائدة في الربيع الفائت) تقلِّص الكتلة «المستقبلية»، التي كانت تضمّ 34 نائباً في 2009، إلى ما دون الـ20.
قدّم هؤلاء شروحاتٍ تفصيلية تدعم تقديراتهم، في كل الدوائر، وأجروا مقارنةً بين ما حقّقه قانون الدوحة (1960) وما سيحققه القانون الجديد، علماً أنّ التحالفات السياسية تبدّلت. فالقوى المسيحية متوافقة على «استرداد» المقاعد من الحريري في عدد من الدوائر.
وهناك رغبة مماثلة لدى القوى الشيعية في بيروت، تُوازيها محاولةٌ لخلط الأوراق في العاصمة وطرابلس والضنية – المنية والبقاع الغربي وصيدا لإيصال حلفاء «حزب الله» من الطائفة السنّية، وهم غالباً نواب مرحلة ما قبل العام 2005. (آل كرامي، عبد الرحيم مراد، أسامة سعد وآخرون).
أظهرت النتائج التي اطَّلع عليها الحريري ما يأتي:
في بيروت، التي اكتسحها الرئيس رفيق الحريري بـ19 مقعداً، بـ«جرّافة» قانون 2000، سيحتفظ الحريري بأقل من نصف هذا العدد، في ظلّ التقسيم الانتخابي الحالي وطموح القوى المسيحية والشيعية إلى «استرداد» المقاعد التي تخصّ الطائفتين.
وفي طرابلس – المنية – الضنية، ليس واضحاً حجم الضغط الذي يمكن أن يمارسَه الحريري للاحتفاظ بالمقاعد الماروني والأورثوذكسي والعلوي، فيما يرجَّح أن تكون المقاعد السنّية في المدينة موضع تقاسم جدّي مع قوى عدّة:
اللواء أشرف ريفي الذي أحرز انتصاراً مفاجِئاً في الانتخابات البلدية والرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي و«الجماعة الإسلامية» وآل كرامي وسائر القوى الحليفة لـ«حزب الله». وكذلك مقاعد المنية – الضنية التي يطمح «حزب الله» إلى أن تكون فيها حصة لحلفائه.
وفي الكورة، لن تتيح القوى المسيحية أن يستعيد الحريري مقعد النائب فريد مكاري. وفي عكار، سيكون الحريري مضطراً إلى التخلّي عن واحد أو اثنين، على الأقل، من نوابه المسيحيين الثلاثة، والأرجح عن النائب العلوي.
في البقاع الغربي، ليس مضموناً أن يحتفظ الحريري بالمقعد الماروني. كما أنّ «الحزب» يضغط لإعادة عبد الرحيم مراد إلى المجلس. وكذلك، هو يضغط في صيدا لاستعادة مقعد أسامة سعد.
وأما الطموحات الحريرية إلى خرق زحلة مسيحياً، وكذلك الشوف، أشدّ صعوبة في ظلّ القانون الجديد.
هذه الصورة الصعبة، بقيت تدفع الحريري في الأشهر الفائتة إلى خيارات احتياطية، فاعتمد خيارَين في آن معاً:
1- محاولة تأجيل الاستحقاق الانتخابي حتى إشعار آخر، لعلّ الوقت يساهم في تحسين الوضع. وهذا ما ظهر في عدم حماسة وزارة الداخلية حتى للدعوة التلقائية إلى إجراء انتخابات فرعية في طرابلس وكسروان.
2- إيجاد تركيبة تحالفية مريحة، بحيث يدفع الحريري في مكان آخر ثمن احتفاظه بأكبر حجم من الكتلة النيابية. ولذلك، هو تأرجح، على مدى أشهر، بين التحالف مع «القوات اللبنانية» ومغازلة «التيار الوطني الحر» وإرضاء أركان «التحالف القديم» بلقاء كليمنصو.
لم يكن لا الحريري ولا الآخرون يدركون ما سيأتي من تطوّرات، ولا سيما «الأزمة السعودية» التي حملت عنوان «الاعتراض على الرضوخ لنهج «حزب الله». واليوم، مع طيّ صفحة الأزمة، مرحَلياً أو نهائياً، وما رافقها من خلط أوراق تحالفية، يعتقد الحريري أنّ الفرصة سانحة له لكي يعيد ترتيب وضعه، على أبوابِ انتخاباتٍ كانت ستحمل إليه خسائرَ جسيمة.
فكرة الحريري اليوم هي: إبرام تفاهمات ضمن أركان «التحالف الخماسي» يمكن أن تقلِّص من وطأة الخسائر المرتقبة. فبدلاً من هبوط الكتلة إلى ما دون الـ20 نائباً، يأمل الحريري أن يحظى بدعمٍ ليحسِّنَ وضعَه بعدم التنازل في بعض الدوائر أو باستقطاب مقاعد جديدة، مسيحيّة خصوصاً.
فهو يفكّر في الوزير غطاس خوري حيث مقعد النائب جورج عدوان في الشوف، ويفكّر في تحالفات مُنتجة في بيروت وزحلة. ومن سخريات الأقدار أنه غالباً ما سيكون في مواجهة مسيحيّي 14 آذار.
هناك مَن يقول للحريري: «إنّ تموضعَك في الحلف الخماسي، خصوصاً في الأشهر الـ5 المقبلة، مُربِح لك على صعيد المقاعد النيابية والحصص في المشاريع والتعيينات، وضمان لعودتك إلى رئاسة الحكومة المقبلة. وهذه الأرباح تستحقّ أن تضحّي بحلفائك الآذاريّين (السابقين) من أجلها. ألم يضحِّ بك هؤلاء في هذه الأزمة؟».
وبين هؤلاء الحلفاء مَن يقول: «الحملات على الرئيس فؤاد السنيورة و«القوات اللبنانية» يشجّعها قريبون من الحريري وبعيدون عنه لأنهم يستفيدون منها. علماً أنّ موقف السنيورة و«القوات» الرافض انزلاقَ الحريري في التسوية ليس سرّياً، ولا حاجة إلى تصويره وكأنه مؤامرة. كما أنّ السعودية ليست خاتماً في إصبع السنيورة وجعجع لتتحرّك بناءً على توجيهٍ منهما».
البعض يعتقد أنّ الحريري يفضّل اليوم «العصفور في اليد ولا العشرة على الشجرة»، أي أن يضمن رئاسة الحكومة والمشاريع والتعيينات ويكسب تغطية «الحلف الخماسي» وتحديد الخسائر إلى أدناها في الانتخابات… و»على مهلها» سترضى قوى 14 آذار!
ولكن، في العمق، يخشى الحريري أن يكون في صدد مغامرة خطرة بعلاقته مع السعودية وبغطاء حلفائه، فيما غطاء الخصوم لا يضمن الدفء… خصوصاً بعد أن «يأكلوا» له كتلته ويخلعوا عنه وعن 14 آذار غالبيةً نيابيةً هي حصانتهم الوحيدة منذ 2005 وحتى اليوم.