«لا يوجد في احتياط الموازنة ليرة واحدة». بهذه الكلمات عَلّق وزير المالية علي حسن خليل على اقتراح القانون الرامي الى فتح اعتماد إضافي تكميلي بقيمة 75 مليار ليرة لبنانية لمواجهة النقص في بند الدواء في وزارة الصحة العامة، قائلاً إنه «يجب أن نعرف من أين سنأتي بهذا المبلغ».
فيما اعتبر خليل أنّ على مجلس النواب إعادة صياغة القانون، أوضح أنّ «الباب الوحيد للتثبيت في هذا القانون هو أن نستدين»، كاشفاً أنّ «التجاوز في الوزارة بلغ أكثر من ذلك ووصل الى حدود مئة مليار ليرة، مما يعني أنّ المجلس يقول لنا: إذهبوا واستدينوا».
ومع إقرار تمويل بند الدواء بقيمة 75 مليار ليرة لبنانية، من المتوقع ان يقرّ مجلس النواب أيضاً اقتراح قانون إنفاق إضافي على الوقود بقيمة 642 مليار ليرة لبنانية، في خطوة من شأنها أن تخفّف أزمة إمدادات الكهرباء، لكنها في المقابل ستزيد العجز في الموازنة. فمؤسسة كهرباء لبنان التي تتلقى دعماً من الحكومة تحتاج إلى 430 مليون دولار إضافية فوق مخصصاتها البالغة 1,4 مليار دولار في ميزانية 2018 لتغطية احتياجات الوقود بقية العام.
إذاً، الحكومة المنتظرة مقبلة على إصدار جديد لسندات خزينة لتغطية عجزها الاضافي، وذلك في ظروف اقتصادية غير مؤاتية اليوم على صعيد محلي، إن من ناحية الأزمة السياسة القائمة والمتمثّلة بعدم تأليف حكومة أو على الصعيد الاقتصادي الذي تشهد كافة قطاعاته تدهوراً متزايداً مع كلّ تأخير جديد في بدء الاصلاحات الهيكلية المنشودة.
قد تلجأ وزارة المالية الى طلب مساعدة مصرف لبنان من أجل تمويل عجزها، عبر ابتكار هندسة مالية جديدة، إلّا انّ تصريحات حاكم مصرف لبنان في الفترة الاخيرة لا توحي بأنه مستعدّ للاستمرار في التدخّل، بما يعني انّ أمام «المالية» حلّاً واحداً هو إصدار سندات خزينة وعلى الارجح بالليرة اللبنانية، لأنّ إصدار سندات يوروبوند في ظل انعدام الثقة الدولية بلبنان، لن يكون خياراً عاقلاً.
وبالتالي، فإنّ نسبة الفوائد التي ستدفعها الدولة على أي إصدار قد تطلقه في الظروف الحالية ستكون عند مستويات مرتفعة، علماً انّ معدل الفائدة على مجموع الدين العام البالغ 83 مليار و700 مليون دولار في أواخر آب 2018، بلغت على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية 6,28 في المئة وعلى سندات اليوروبوند 6,73 في المئة.
ومن المرجّح، في حال لجأت الحكومة الى إصدار سندات خزينة، أن تكون بالليرة اللبنانية لأنّ كلفتها أقل، وسيشارك في الاكتتاب فيها مصرف لبنان الذي يحمل 42,4 في المئة من سندات الخزينة بالليرة في أواخر آب 2018، تليه المصارف التجارية بنسبة 36,4 في المئة.
في هذ الاطار، أشار الخبير الاقتصادي نسيب غبريل الى انّ سندات الخزينة اللبنانية التي تستحق في العام 2018 تمّت تغطيتها كافة من دون أي تأخير، وآخرها كان استحقاق سندات يوروبوند بقيمة 500 مليون دولار تمّت تغطيته يوم أمس.
وقال لـ«الجمهورية» إنه «مقارنة مع ما نراه في بعض بلدان الاسواق الناشئة التي تعاني ضغوطات مالية على غرار تركيا، يبقى وضع لبنان جيّداً على هذا الصعيد».
وأشار الى انّ الجهاز المصرفي بشقّيه، مصرف لبنان والمصارف التجارية، يتحمّل منذ 25 عاماً مسؤوليته من ناحية الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة واستقرار المالية العامة، وبالتالي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وقال: «حان الوقت اليوم لكي تتحمّل السلطة التنفيذية والتشريعية، بالإضافة الى الاحزاب السياسية، مسؤولياتها ومشاركة الجهاز المصرفي فيها. من غير المقبول بعد اليوم ان يتحمّل الجهاز المصرفي كامل الاعباء وحيداً، بغضّ النظر عن إمكانياته».
واعتبر غبريل «اننا وصلنا الى حدّ التساؤل من أين سنؤمّن الاموال للدواء والكهرباء؟ نتيجة عدم أخذ المبادرات وعدم القيام بالاصلاحات المطلوبة لخفض النفقات والهدر وتحسين الواردات من دون زيادات ضريبية».
ولفت الى أنّ العجز الذي ارتفع من 910 ملايين دولار في الاشهر الستة الاولى من العام 2017 الى 3 مليارات دولار في الاشهر الستة الاولى من العام الحالي، نتيجته قرارات غير مدروسة كسلسلة الرتب والرواتب، وزيادة الضرائب التي أدّت الى تراجع المداخيل الضريبية بأكثر من 3 في المئة وحفّزت الجمود الاقتصادي.
واعتبر غبريل انه «لو تمّ تشكيل الحكومة في فترة مقبولة، لكانت أولويات السلطة التنفيذية تنحصر في تخفيض حاجات الدولة للاستدانة وتحفيز النمو وتطبيق إصلاحات «سيدر»، إلّا انّ المناكفات السياسية التي تحول دون تشكيل الحكومة أوصَلتنا الى التساؤل من أين سنأتي بالأموال للدواء والكهرباء؟… هذه هي كلفة التأخير بتشكيل الحكومة، بالإضافة الى الفرَص الضائعة على الاقتصاد اللبناني».
وختم: «المطلوب اليوم أن يرتقي القطاع العام لحسن إدارة القطاع المصرفي وشفافيته، وليس جرّ القطاع المصرفي لسوء إدارة القطاع العام».