أيّاً كانت الصيغة التي انتهت اليها أزمة تمثيل «القوات اللبنانية» في الحكومة، فإنّ عقدة تمثيل نواب «سنّة 8 آذار» ستكون الأصعب، ليس لسبب، بل لتأجيل البحث في عقدة أكثر خطورة وهي تمثيل «حزب الله» ربطاً بالرفض الأميركي. وإذا تجاوزها الرئيس المكلف في تشكيلته بالتكافل والتضامن مع رئيس الجمهورية، فإنها ستلاحق الحكومة الى ما بعد عملية التأليف وسط مخاوف من تردداتها لاحقاً. فمن سيدفع الثمن عندها؟
على هامش النقاش الذي عاشته المطابخ التي تولّت تأليف الحكومة، وتحديداً تلك التي أشرفت على سيناريوهات اللحظة الأخيرة المؤدية الى ولادتها، هناك من استشعَر عقدة أخطر بكثير من تلك التي انتظرت البلاد 5 أشهر وايام معدودة لتظهيرها وإخراجها الى النور، وهي تكمن في عقدة تمثيل نواب «سنّة 8 آذار»، ربما لتأجيل البحث في عقدة وزراء «حزب الله»ن خصوصاً انّ حقيبة وزارة الصحة ستكون من حصته، ليضاف اليها ويزيد من وهجها قراره المشاركة بحزبيين من أعلى المواقع الحزبية.
لا يتطلّع المتخوفون من عقدة التمثيل السني، إن تعاظمت، إلّا من باب تأجيل بلوغ الاستحقاق الأكثر خطورة، والذي يتمثل في شكل مشاركة «حزب الله» في الحكومة وحجمها بحصته الكاملة والوازنة. فالحزب لم يَغب عن الحكومات المتعاقبة منذ العام 2000 الى اليوم، ولم يحاسب يوماً. لكنّ الظروف قد تغيرت هذه المرة في المنطقة ولبنان، وبات الحزب على لائحة «المنظمات» الإرهابية التي يجب محاصرتها ووقف تمويلها، كما قال القانون الأميركي الجديد الذي أضاف عقوبات اكثر تشدداً مما لحظته القرارات السابقة، التي بوشر بتطبيقها في الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول العالم كما في معظم المنظمات العربية والإقليمية.
فالحزب الذي كان يترقّب، في ظل المواجهة الدولية الكبرى التي يخوضها في سوريا وفي أكثر من منطقة في العالم، مثل هذه القرارات والتوجهات الإقليمية والدولية، إستبقها بخطوات عملية بما امتلك من قوة وتصميم. ولم يتوقف امام ما تتطلبه المرحلة التي تستعد فيها الحكومة العتيدة لتولّي مسؤولياتها في مثل الظروف الإستثنائية. فقرر الوجود في كل المواقع النيابية والإدارية والنقابية، وحيث ما سمحت له الظروف، تطبيقاً لمبدأ المناصفة المتوافق عليها بين حركة «أمل» والحزب. وهو مبدأ اعتمد في الإنتخابات النيابية الأخيرة قبل، الوصول الى تطبيقه في تشكيل الحكومة العتيدة لتكريسه نهجاً متبعاً يلغي مبدأ «الإعارة» تماماً.
وعليه، بات من الواضح انّ الحزب تجاوز نهائياً المرحلة التي كانت تكتسب فيها مشاركته في الحكومات السابقة بوجوه شيعية غير حزبية، تدور في فلكه، كتجربة الوزير السابق طراد حمادة في وزارة العمل. ولن يكرر تجارب سابقة خاضها على المستوى الشيعي، ولم ولن يسمح بعد اليوم بوجود شخصيات شيعية تدخل النادي الحكومي من «نافذة مستقلة» أو من موقع «الوزير الملك»، كما كانت التجربة التي عاشها وزير الدولة عدنان السيد حسين الذي احتُسِبَ يوماً انه من حصة رئيس الجمهورية وخارج نطاق التأثير السياسي للحزب. فقد اضطر الحزب في لحظة من اللحظات لدفعه الى الاستقالة من اولى حكومات الرئيس سعد الحريري أواخر كانون الثاني 2011 تأميناً لـ»الثلث المعطّل».
لم يتوقف الحديث عن عقدة تمثيل «نواب سنة 8 آذار» قبل بلوغ عقدة تمثيل «حزب الله» عند هذه المعطيات، والتي لا بد من التذكير بها والإضاءة عليها للإشارة الى المخاوف الناجمة من «الفيتو» الاميركي على مشاركة الحزب في الشكل المتوقع في الحكومة العتيدة. والى ما ترجمته هذه الإدارة من قرارات متشددة في حقه، فقد جاء توقيت الإعلان عن توقيع القانون الجديد الذي يستهدفه في مصادر تمويله في الذكرى الـ35 لتفجيره مقر المارينز عام 1983، ليشكل رسالة واضحة شكلاً ومضموناً، وليعطي إشارة الى حجم الإصرار الاميركي على معاقبته قبل بدء تطبيق الرزمة الثانية من العقوبات على ايران وحلفائها على رغم ما ستلحقه هذه العقوبات من أضرار جسيمة بمصالح الحزب وبيئته المذهبية والمالية، وحتى السياسية منها في لبنان والمنطقة والعالم.
والى هذه المخاوف من حجم العقد المتوقعة، لا يغفل العارفون بكثير ممّا يدبّر للبنان، وأخطره أن تتوسع العقوبات الأميركية في حال تم تجاهلها على المستوى الحكومي لتشمل سياسيين لبنانيين في مواقع حساسة. فهناك ما يُنذِر بكثير مما هو متوقع في حال صحت بعض الإشارات السلبية التي سجلت الى الآن. فالمقاطعة الديبلوماسية التي تمارسها السفارة الأميركية في بيروت بحق رئاسة الجمهورية منذ ايلول الماضي تنذر بكثير من المخاطر.
ولا يغفل المراقبون انّ هذه التدابير تزامنت مع توجهات مشابهة طاولت وزير الخارجية في الفترة الأخيرة، وتُرجِمَت مقاطعة شاملة له من خلال رفض السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد المشاركة في لقاء طلبه مع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان قبل فترة عند وقف تمويل إدارتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين («الأونروا»)، ولم تشارك السفارة مع بقية الديبلوماسيين في الزيارة التي نظّمتها وزارة الخارجية الى المنطقة المحيطة بمطار بيروت للردّ على الاتهامات الاسرائيلية بوجود صواريخ لـ»حزب الله: بالقرب منه.
وليس آخر اشكال هذه المقاطعة في تجاهل قصرَي بعبدا وبسترس، عندما زار نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون المشرق والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جويل رايبرن، لبنان أخيراً فاقتصرت لقاءاته الرسمية بمشاركة السفيرة ايليزابيت ريتشارد، على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ومن سمّاهم بيان السفارة الرسمي «مسؤولين حكوميين لبنانيين»، إضافة إلى «مسؤولي الأمم المتحدة وقادة الأعمال» في لبنان.
وإذا صحّت هذه السيناريوهات السلبية، لا بد من طرح أسئلة، أبرزها ما يتصل بطريقة الإخراج التي سترافق الإعلان عن التشكيلة الحكومية إن جرى ذلك في الساعات المقبلة. وكيف سيتجاوز الرئيس المكلف ومعه رئيس الجمهورية كل هذه العقد التي تعاظمت في اللحظات الأخيرة؟ وإذا تمّ تجاوزها فكيف ستتجاوز الحكومة كل هذه المطبّات ومن سيسدد الثمن عند الاستحقاق من رصيد العهد أم الحكومة؟