سألت محدثي الباكستاني: هل عمران خان هو «الابن المفضل» للجيش؟
أجاب: كلا، لقد ناضل عمران لمدة 18 سنة وأيقظ أخيراً الأمة الباكستانية. عمران خان هو الابن المفضل لباكستان.
إذن الجيش لا يساعد عمران؟
قال إنهم يساعدون أنفسهم لسببين؛ إبعاد أعدائهم، وحكومة ائتلافية تضمن بقاء جميع الأحزاب وقادتها تحت السيطرة، الجيش لا يريد أن ينتهي الأمر في باكستان كما حصل في تركيا. لقد رأى رجب طيب إردوغان، وهذا ما كان يريد فعله نواز شريف، أن يتخلص تدريجياً من سطوة الجيش وأجهزة الاستخبارات ليستفرد وحده المدني بتركيا. المؤسسة العسكرية الباكستانية تريد الحفاظ على قبضتها الحديدية، ثم إن باكستان تختلف بواقعها الجغرافي عن تركيا.
أمس الأربعاء أتيح للناخبين الباكستانيين فرصة التعبير عما يجب أن يكون عليه عصر ما بعد نواز شريف، هل سيكون لاعب الكريكيت السابق الشهير عمران خان وحزبه «حركة الإنصاف» أم بيلاوال بوتو زرداري وحزبه «الشعب الباكستاني»، أو تستمر «الرابطة الإسلامية» بزعامة شهباز شريف شقيق وربما «المنقذ الأخير» لرئيس الوزراء السابق؟
أياً كان القرار فإن الباكستانيين اتخذوا خيارهم في ظل ظروف صعبة يعاني منها الاقتصاد الباكستاني.
عند تقييم قائمة المرشحين الأساسيين من الصعب عدم ملاحظة أوراق الاعتماد الأسرية المعروضة. يتصدر شهباز شريف صدارة حزب «الرابطة الإسلامية»، هو شقيق نواز الذي كان يهيئ ابنته مريام لهذا المنصب، لأنه عام 2017 منع من ممارسة الحياة السياسية بسبب ثروة العائلة غير المشروعة التي كشفتها «أوراق باناما». لكن إذا قرر عدد كاف من مؤيدي نواز شريف زيادة نسبة الإقبال في البنجاب بشكل كبير، فإنهم قد يقلبون الحسابات تاركين مهندسي السياسة الباكستانية يشعرون بالخذلان.
التالي هو بيلاوال بوتو زرداري ابن رئيسة الوزراء بي نظير بوتو التي اغتيلت زمن برويز مشرف عام 2007 وابن واصف زرداري الذي ترأس «حزب الشعب» حتى تخرج بيلاوال من جامعة أكسفورد، وحفيد ذو الفقار علي بوتو الذي ظل رئيساً لوزراء باكستان من عام 1973 حتى عام 1977 وأعدمه الرئيس السابق ضياء الحق.
شباب بيلاوال (29 سنة) لا يرحمه بل يحمله عبئاً كبيراً من التوقعات باعتباره وريث سلالة بوتو. وكانت هذه أول انتخابات عامة يخوضها، وأمل «حزب الشعب» أن يساعد صغر سنه في مواجهة المرشحين الآخرين من خلال إشراك الشباب في العملية الانتخابية، لأن أكثر من 64 في المائة من سكان باكستان يقل عمرهم عن 30 سنة. الاستطلاعات وضعت حزب بيلاوال في المرتبة الثالثة.
أخيراً هناك عمران خان من حزب «حركة الإنصاف» من الكريكيت تحول إلى السياسة، يمثل انتصار حزبه أكبر الاحتمالات لتغيير السياسة في باكستان، لأن خان ليس جزءاً من أي سلالة رئيسية في باكستان، وقد يستفيد من تعب الناخب من «الباب الدوار» الذي لا ينتهي أبداً بين شريف وبوتو. على جبهة السياسة الخارجية قام خان بحملة لإقامة علاقات أوثق مع الهند، وإيجاد حل لقضية كشمير في إطار قرارات مجلس الأمن التي كانت موجودة من قبل، ويريد توسيع علاقة باكستان الوثيقة مع الصين، ويتابع العلاقات مع الولايات المتحدة «القائمة على المصلحة المتبادلة»، ثم إنه يطرح السلام مع «طالبان باكستان»، والأهم البيان الذي صدر عن «حركة الإصلاح» قبل الانتخابات ويتعهد بتحويل باكستان إلى «دولة رفاهية إسلامية» (صدى للموجة الشعبوية التي تجتاح أوروبا)، ومن المرجح أن يتردد صداها مع معاناة الشعب الباكستاني.
أما القضايا الأكثر أهمية في نظر الناخبين الباكستانيين فهي: الفساد. على مستوى منخفض يشمل رشوة موظفي الخدمة العامة وهذا منتشر في كل باكستان. لكن هناك الفساد على مستوى عال، حيث يستغل كبار السياسيين في البلاد مناصبهم لإثراء أسرهم، وهذه تجسدت تماماً في قصة نواز شريف.
وتعاني باكستان من أزمة اقتصادية بدأت بسبب عجز كبير في الحساب الجاري، واحتياطيات منخفضة في سوق الفوريكس، وتصاعد في الديون وآخرها ارتفاع التضخم، وقد دفع هذا الوضع باللجوء إلى قروض طارئة من الصين، وبغض النظر عمن سيكون رئيس الوزراء القادم، فإنه سيحتاج إلى تأمين مصادر تمويل جديدة لتجنب التخلف عن السداد.
هناك أيضاً أزمة البطالة، ثم يأتي توليد الكهرباء، فقد عانت باكستان من نقص كبير في توليد الكهرباء. في السنوات الأخيرة تحسن الوضع بدرجة كبيرة ويعود الفضل إلى حد كبير إلى المشاريع المدرجة في الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، ومع ذلك لا تزال هناك فجوة كبيرة تكون واضحة في أشهر الصيف. ولنفترض أن عمران خان صار رئيساً للوزراء، فماذا بعد؟ سيتعين عليه التعامل مع الاقتصاد المترنح والروبية التي تتساقط، ومع وعوده الشعبوية لم يكشف عن إتقان في خطته الاقتصادية، فهو تعهد بخلق 10 ملايين فرصة عمل في السنوات الخمس المقبلة، وهذا وعد غير قابل للتصديق كتعهده بإنهاء الفساد.
الحقيقة أن أي رئيس وزراء يصل، سيتعين عليه اتخاذ قرارات صعبة لإصلاح الاقتصاد وهذا سيكلف الواردات أكثر وسيزداد حجم فاتورة الوقود في وقت ترتفع فيه أسعار النفط عالمياً، وقد تضطر باكستان لأن تطلب من الصين مجدداً قرضاً طارئاً بمليار دولار لدعم احتياطياتها الأجنبية. ثم يمكن للدبلوماسية الدولية أن تذكر رئيس الوزراء الجديد بأنه من غير المقبول وصف المعارضين بالحمير كما فعل خان مؤخراً. وسيجد عمران خان المهووس بأجندة واحدة وهي مكافحة الفساد، أن الأولويات الأخرى تتطلب اهتمامه ورأس ماله السياسي.
هناك أيضا مسألة العنف، وهذا انخفض بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة نتيجة للعمليات العسكرية المكثفة ضد المسلحين في المناطق القبلية المتاخمة لأفغانستان. لكن المحللين حذروا منذ فترة طويلة من أن باكستان لا تعالج الأسباب الجذرية للتطرف وأن المتشددين يحتفظون بالقدرة على شن هجمات مذهلة. وقد حذر الجيش من تهديدات قبل الانتخابات وقال إنه سينشر أكثر من 370 ألف جندي يوم الانتخابات.
ولأن المؤسسة العسكرية تريد حكومة ائتلافية، سيكون «حزب الشعب» الشريك المحتمل في ائتلاف عمران خان على الرغم من رفضه هذا الاحتمال مراراً، لكن السياسة تصنع أجواءها، وكان «المهندسون السياسيون» أجبروا الحزبين هذا العام على دفع سياسي بلوشي مجهول إلى رئاسة مجلس الشيوخ، لذلك ليس بمستبعد ضرب الرؤوس من جديد.
بيلاوال زرداري سيقود حملة صعبة على خان، فهو يعلم مدى رغبة خان في الحصول على الوظيفة الأولى في باكستان. ثم إن زرداري حاذق وسوف يناور، وسيدعمه في حزبه الذين يحبون الحصول على الامتيازات والنفوذ وهما يأتيان مع الحقائب الوزارية، وبالنسبة إلى زرداري فحتى لو كان دوره مرشداً صغيراً في الائتلاف الحاكم، إلا أنه يشتري له درجة عالية من الحصانة من تحقيقات الفساد.
وكما ذكرنا، سيتعين على رئيس الوزراء الجديد اتخاذ قرارات صعبة لإصلاح الاقتصاد. وقد يجد عمران خان كما قبله نواز شريف أن وسائل الإعلام التي ساعدته في الوصول قد تتحول عليه، خاصة إذا شعرت بعض الأوساط بأنه لا يتعاون. وفوق كل شيء سيجد أن أولئك الذين جعلوه «ظاهرياً» رئيساً للوزراء سيطلبون حصتهم من حصته ولن يجعلوه يقترب من حصتهم! إنها باكستان العسكر.