IMLebanon

مَنْ يكسب الحرب بين «الإسلام الجهادي»؟!

على مساحة المليون من باب المندب إلى النهر الكبير

مَنْ يكسب الحرب بين «الإسلام الجهادي»؟!

من الحرب على أرض الأغنياء العرب (العراق) إلى الحرب على أرض الفقراء العرب (اليمن)، مروراً بسوريا التي تجمع بين الفقر والغنى، والإرث التاريخي لحضارة بيزنطية الهلينية، وصولاً إلى لبنان (أرض الرسالات والأرزات العاجقة الكون) ثمّة أسئلة عن مستقبل الصراعات في المنطقة، في ضوء 3 عوامل، تتحكم بما يجري من حروب شرسة، وإزاحة جماعات وطوائف، وتبدّل السيطرة أو على الأقل إعادة خلطها من اليمن الموحّدة، ذات 531.869 كلم2، وما يقارب 20 مليون نسمة، والتي حكمتها سلالة شيعية منذ العام 893-1962، وتوحدت عام 1990، بعد أن سقطت )جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) التي كانت تحكمها حركة يسارية، ماركسية (لاحظ التاريخ 1990)، إلى العراق، ذي الأكثرية الشيعية سكانياً، وفيه المدن التي تعتبر مقدسة لدى هذه الطائفة من النجف إلى الكوفة وكربلاء، وحكمها حزب، علماني، قومي متشدّد هو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي مات مؤسسه ميشال عفلق (المسيحي الأرثوذكسي في العراق)، إلى سوريا ذات الأكثرية السنّية سكانياً، والتي حكمها حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي ابتعد عن مؤسسه، وتولّت قيادته أقلية علوية، (على الرغم من علمانيته وقوميته!).

العوامل التي تتحكم بمشهد الحرب الدائرة منذ أن بزغت شمس «الربيع العربي» ثم توارت، على النحو الحاصل الآن هي: الجغرافيا، التاريخ، العقدة. ولكن ماذا عن الاقتصاد، والهوية، وتزايد السكان، وإعادة تشكل عالم ما بعد القرن العشرين، ثم ماذا عن لبنان، الدولة الأنموذج، والدولة، التي يرغب معظم سكانها بالسير وفقاً للنموذج السويسري، منذ أن عُرف بلد الأرز (pays des cedres) تسمية سويسرا الشرق (suisse d’orient)?

بداية، من غير المتاح، تناول الإجابة في بضعة عشرات من الأسطر، لذا نكتفي بالحديث عن مستقبل الصدامات في لبنان، وانعكاساتها على الصيغة المعمول بها سياسياً ودستورياً، مع التوقف عند ملاحظة مؤداها أن الدول اللاعبة من وراء الستار، وهي إيران، والعربية السعودية، وتركيا، لم تنخرط على نحو مباشر في الحروب الدائرة على أرض العرب والمسلمين، بمتابعة يومية، دقيقة، من دول حلف الأطلسي، إلى دول «البراكس» والاتحاد الروسي..

أدّت عمليات استهداف عناصر الجيش اللبناني من جرود عرسال إلى بعض نقاط انتشاره في شمال لبنان، لا سيّما في منطقة عكار إلى احتدام الكلام السياسي، والإعلامي عن تغيّرات مقبلة في البلد، من زاوية العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلى تراكم الخلافات حول قانون جديد للإنتخابات، والذهاب إلى التمديد، الذي لم يصبح محسوماً بعد من الناحية السياسية، على الرغم من أن مجرّد انعقاد جلسة للنظر في هذا الموضوع، فالمسألة محسومة لجهة التمديد.. وأن يصبح ساري المفعول، لما تبقى من ولاية المجلس، الذي شهد التمديد لأول مرة منذ سنة وسبعة أشهر.. ما هي التغيّرات المقبلة؟ ومَنْ يكسب الحرب داخل الإسلام الجهادي من باب المندب إلى النهر الكبير شمالي لبنان؟

 لم يكن كلام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في احتفال إحياء الذكرى الثانية لاستشهاد اللواء وسام الحسن خارج سياق ما يجري من إعادة بناء للمواقع والمصالح في لبنان بمعنى دور الطوائف في إعادة أو استمرار إمارة الصيغة السياسية..

إن الكلام عن رفض تحوّل السنّة (الإعتدال السنّي) إلى قادة صحوات على الطريقة العراقية، لم يكن يعني في مضمونه التطبيقي، سوى رفض استمرار التغطية السياسية لسلطة يتحكّم فيها حزب الله (الشيعي) في مفاصل قرارات الحرب والسلم وحتى الأمن..

وفي هذا السياق، يصبح السؤال: هل انتهى شهر العسل بين مكونات الحكومة، أم أن الخلافات بدأت تفرض نوعاً آخر من المقاربة، وكيف؟

 ثمّة من يعتقد أن الشارع السنّي بدأ يجنح شعبياً أكثر فأكثر باتجاه الحماس لمشروع القوى المسلحة، المتطرّفة، المنتشرة في جرود عرسال، وحتى عرسال نفسها إلى أقضية عكار (أصبحت محافظة) وبعض أحياء مدينة طرابلس الفقيرة، وبهذا المعنى فإن رفع الصوت، يأتي لاحتواء هذا الجنوح.

وثمّة من يعتقد أن المسألة أبعد بكثير من هذا، وهي تتعلق، باحتدام المواجهات في اليمن، بعد السيطرة الحوثية (وهؤلاء على الأرجح هم أحفاد السلاسة الشيعية في الفترة التي حكمت اليمن، كما سبقت الإشارة) على نقاط استراتيجية من العاصمة صنعاء إلى باب المندب والنفاذ إلى البحر الأحمر، فضلاً عن احتدام المعارك المذهبية في العراق بين تنظيم الدولة الإسلامية، (المعروف بداعش) والميليشيات الشيعية، الداعمة للجيش العراقي برّاً، والمدعوم جواً من دول الائتلاف الدولي – العربي – الإقليمي..

وثمّة من يعتقد أن الصراعات الجارية في المنطقة، من اليمن إلى العراق فسوريا، (والمقصود هنا الشرق) وليس شمال إفريقيا العربية تُعيد تشكيل مواقع النفوذ والسيطرة بالقوة على المقدّرات، مستخدمة التاريخ من جهة، والعقيدة الدينية من جهة أخرى، ليس لإحياء نظام الخلافة مع أبو بكر البغدادي، أو ليس لإحياء نظام الإمامة مع عبد الملك الحوثي أو السيّد حسن نصر الله، بل للتحكّم بمستقبل الطاقة التقليدية (النفط) ومنابع الثروات (الحبوب الخضار) فضلاً عن التحكم بمسار العملات من اليورو، إلى الروبل، والينّ والمارك، والجنيه، والريال، وحتى الليرة اللبنانية من زاوية قدرة الدولار، على التحكّم باللعبة سواء في أوروبا الهرمة، أو العالم العربي الباحث عن هوية جديدة بين أكوام الجثث وأنهر الدماء..

اللعبة: مقابل «داعش» في ثلث العراق ونصف سوريا، وصولاً إلى ربع لبنان (الشمال) يترك المجال للحوثيين (أو أنصار الله) باكتساح اليمن إلى مشارف الحرب مع القاعدة التي الآخذة بالإنقسام لمصلحة «الدولة الإسلامية» وخلافة البغدادي..

لا يخفي حزب الله تعاطفه مع الحركة الحوثية، ودعمها بالخبرات، وربما بالرجال، وبما تيسّر، ولا تخفي جهات نيابية وسياسية وشعبية تمثّل شرائح في الشارع السنّي الإسلامي دعمها للنصرة السورية، وفرعها اللبناني، وحتى «لداعش» ما دامت تقاتل نظام الأسد وحليفه حزب الله..

هكذا، يكتمل مشهد الحرب: القاعدة بوجه الحوثيين، داعش بوجه الميليشيات الشيعية العراقية ونظام الأسد والميليشيات العلوية، والنصرة وداعش والمتطرّفين اللبنانيين من السنّة بوجه حزب الله..

في المشهد العسكري هذا لا يمكن للسياسة أن تعيش في برجها العاجي، هي تتفاعل مع الحدث، والمسألة الآن أن الغطاء الإسلامي للحزب آخذ في الضمور، والسؤال هل هذا الضمور يطال وضعاً بعينه، أم أن الضمور يتعلق أساساً بضمور النظام من ضمن اللعبة الكبرى، أرض لطوائف، ومستقبل ترسمه قوة الحديد والنار، ولو بلباس إسلامي، خلافي (نسبة إلى الخلافة) أو إمامي (نسبة إلى الإمام)؟!